الجمعة، 4 يوليو 2008

مصـر تودع «عبد الوهـاب المسـيري»

رحل تاركا خلفه آراءه، وأفكاره، ومعاركه، وقبلها جميعاً مؤلفاته التي جعلت منه واحداً من أبرز مفكري عصره. رحل لتصمت ألامه وتكف عن مهاجمة جسده الذي ظل يقاوم حتي الرمق الأخير، رافضاً الإذعان للمرض أو القبول بالأمر الواقع أو رفض التغيير وهو الذي اقتربت سنوات عمره من السبعين، ليضرب المثل لشباب الوطن قبل شيوخه بأن العطاء لا سن محددة لبدايته أو نهايته.
رحل في صمت وبلا ضجيج لا تدري أحزيناً كان، أم قلقاً علي مستقبل وطن، ودعنا دون مهلة من قدر ليري تحقق نبوءته بزوال الصهيونية التي أرخ لها في موسوعة ستظل مخلدة لفكره وعطائه البشري. فوداعاً دكتور عبد الوهاب المسيري.
كتب - هشام عمر عبدالحليم
ودعت مصر بالأمس واحدًا من أبرز مثقفيها، وهو المفكر البارز الدكتور عبدالوهاب المسيري، أستاذ الأدب الإنجليزي ومؤلف موسوعة «اليهود واليهودية»، وذلك في ظل غياب رسمي كامل، وحضور عشرات المثقفين ومئات المشيعين، الذين رافقوا الفقيد إلي مثواه الأخير.
وأقيمت صلاة الجنازة علي روح الفقيد في مسجد رابعة العدوية بمدينة نصر، قبل أن ينتقل المشيعون وجثمان الفقيد إلي مسقط رأسه بمحافظة البحيرة.
وكان لافتا للغاية الغياب الرسمي التام عن الجنازة، وهو ما فسره البعض بأن ذلك يرجع إلي انضمام الفقيد لحركة «كفاية»، غير أن البعض رأي أن علي الدولة أن تكرم العالم والمفكر في شخصية المسيري بغض النظر عن اختلافها معه سياسيا، لاسيما أن حضور مصر «غير الرسمية»، كان واسعا نظرا لقيمة الرجل الكبيرة.
ومن بين المشاركين في التشييع الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، الذي حضر علي الرغم من توعكه صحيا، والداعية عمرو خالد، والروائي يوسف القعيد، ومدير مكتب قناة الجزيرة، حسين عبدالغني، بالإضافة إلي عشرات الشخصيات العامة التي شاركت في تشييع المسيري. وأبدي المشاركون في الجنازة حزنهم علي خسارة الفقيد، وقال المفكر الإسلامي يوسف القرضاوي إن المسيري كان مفكرًا كبيرًا، مضيفا أنه قل من الناس من يعيش للعلم فقط ويقوم بمناقشة قضايا وأخذها علي محمل الجد ويعود بالقضايا إلي جذورها، مشيرًا إلي قيامه بإعداد موسوعة «اليهود واليهودية» بما استلزمته من جهد كبير، وأضاف أن الفقيد تميز برؤيته الخاصة ولم يستطع أحد أن يشتره مؤكدا أن فقدانه خسارة علمية مؤكدة.
وأكد الروائي يوسف القعيد أن هناك العديد من العناصر التي ربطته بالفقيد من بينها أنه «بلدياته» ،لأنهما من البحيرة، كما ربطت بينهما قضية فلسطين، مشيرًا إلي أنها ليست مصادفة أن يلاقي المسيري ربه في مستشفي فلسطين، لأنها القضية التي احتضنها واحتضنته.
وقال إن المسيري عاش طوال عمره فكرة واحدة من زاوية الفكر وليس السياسة، حيث عمل علي تأصيل جميع نواحي القضية الفلسطينية وظاهرة الصهيونية، كما كان شاعرًا وكاتبًا للأطفال، مشيرًا إلي أنه علي الرغم من تنوع مواهبه وممارسته فإنه «كان عارف هو عايز إيه». ومن جانبه، أشار مدير مكتب قناة الجزيرة في القاهرة حسين عبد الغني إلي أن الفقيد تتعدي قيمته كونه مفكرا من بين عشرات، لأنه تميز بإنجازه الموسوعي «اليهود واليهودية»، كما أن له مواهب ودرسات متعددة في الأدب المقارن وكتب الأطفال وبناء اللغة وتحليل العلاقات وحتي النكتة كانت له دراسات فيها.
وأضافة: قيمة المسيري الكبيرة تظهر في أنه ربط بين الفكر والحركة والعمل السياسي المباشر، فلم يدخل في «برج عاجي» ومات وهو منسق لإحدي الحركات التي أثارت حراكا سياسيا كبيرًا في العالم العربي كله، وكان إنسانًا عظيما وقادرًا علي اصطياد المواهب والدفاع عنها، وأعتقد أن أكثر الخاسرين من كانوا يتعاملون معه مباشرة.
أما منسق لجنة الحريات في نقابة الصحفيين محمد عبدالقدوس، فقال إن الفقيد كان عالمًا يقود حركة «كفاية»، علي الرغم من أن المثقفين يعيشون في أبراج عاجية - عادة - لكنه طبق مقولة: أعرف عدوك، وكان الاستثناء من كل المثقفين لأنه «مكنش بيجعحع علي الفاضي».
أما محمود العسقلاني، عضو حركة «مواطنون ضد الغلاء»، فأشار إلي أن الفقيد كان عضوًا في الحركة وكان له دور إيجابي في تبصير الرأي العام بفكرها، لاسيما أن كثيرين انضموا لها فور علمهم بأن المسيري أحد أعضائها، مضيفا أنه كان حريصا علي تواجده في الحركة، وطالبنا بالمزيد من الدفاع عن حقوق المواطنين.
وقال الداعية عمرو خالد لـ«المصري اليوم» إن المسيري مفكر بكل ما لهذا اللفظ من قيمة، وما يمثله من ندرة في العالم العربي، داعيا الله أن يعوضنا عنه، نظرا لقيمته الكبيرة.
وأضاف: الفقيد كان «صاحب فضل» عليه، لأنه قدم نصائح كثيرة له وساعده بمقالاته وناصر جمعية «صنَّاع الحياة»، التابعة له في وقت كانت تتعرض فيه للهجوم الشديد.
حياته .. مسيرة سياسية حافلة
كتبت - نشوي الحوفي
اشتهر الدكتور عبدالوهاب المسيري، علي مدار سنوات عمره، كباحث وعالم ومفكر، إلا أن سنوات عمره الأخيرة وتحديداً منذ عام ٢٠٠٥ شهدت تحولاً في منحي حياته، علي الرغم من آلام المرض التي كانت تشتد عليه بين الحين والآخر، حيث برز كمعارض سياسي ينادي بالتغيير بطريقة سلمية، مؤكداً حاجة مصر والمصريين لهذا التغيير الذي بات حتمياً، شئنا أم أبينا - علي حد قوله.
كانت البداية مع حركة «كفاية» التي كان أحد مؤسسيها مع نخبة من المثقفين والسياسيين، ليشارك من خلالها في العديد من الأحداث التي ألمت بالبلاد منذ ذلك التاريخ، وفي يناير من عام ٢٠٠٧ اختير المسيري من قبل أعضاء الحركة منسقاً عاماً لها بعد انتهاء فترة رئاسة المنسق السابق لها جورج إسحق، يومها صرح المسيري بأن توليه منصب المنسق العام لـ«كفاية» ما هو إلا دليل واضح علي فكر تداول السلطة الذي يجب علي النظام الأخذ به، ومن خلال منصبه هذا شارك المسيري في العديد من الفعاليات التي تحدث فيها عن وجهات نظره التي يتبناها وفي مقدمتها إشكالية الحكم وضرورة التغيير، وتهميش المثقفين، وتلاشي الطبقة المتوسطة.
وفي الوقت الذي كان يري فيه بعض المحللين والمراقبين أن الشعب المصري يرفض التحرك والمطالبة بحقوقه، بعد أن انشغل باللهاث وراء لقمة العيش، كان المسيري يري غير ذلك مدللاً علي رأيه بالقول: «أظن أن مظاهر التغيير طفت علي سطح الأحداث في السنة الماضية التي شهدت حسب تقديرات البعض ٣٠٠ احتجاج واعتصام وإضراب، فهناك (حالة من الفوقان) إن جاز التعبير، الناس مضغوطة والأمور تتدهور يوما بعد يوم، حياة المواطن العادي تحولت إلي بؤس، مما دفع الناس إلي التعبير عن سخطهما بأشكال مختلفة، في الماضي كان المواطن يدخل القسم فـ«يهان»، ويخرج دون أن يفكر في مقاضاة من أهانه، لكن الآن يقاضي الشرطة ويحصل علي أحكام قضائية، ويحتج أمام الأقسام، وهذه حالة مختلفة تؤكد أن الناس نفد صبرهما».
لم يقتصر دور المسيري كسياسي علي التصريحات في الحوارات المختلفة أو من خلال رئاسته حركة كفاية علي مدي الفترة الأخيرة، لكنه امتد إلي المشاركة في جميع فعاليات الحركة، حتي إنه تم توقيفه مرتين.
ولم تقتصر معارك المسيري علي مجال التغيير السياسي، لكنها امتدت لتشمل تقبل الهجوم عليه بعد مطالبته بفصل الدولة عن الدين، وهو ما أطلق عليه «العلمانية الجزئية»، التي أكد عدم تعارضها مع الإسلام.
حزب الوسط ينعي «المسيري» أحد مؤسسيه وكاتب مقدمة برنامجه
كتب - محمد غريب
وصف أبوالعلا ماضي وكيل مؤسسي حزب الوسط «تحت التأسيس» وفاة الدكتور عبدالوهاب المسيري بأنها صدمة كبيرة علي المستويين الشخصي والعام.
وقال ماضي: خسرنا قيمة كبيرة ربطتني بها صداقة وطيدة امتدت عشرين عاماً وهو من أوائل مؤسسي الحزب، وكان ضمن ٢٢ شخصية اجتمعت في شهر رمضان ٢٠٠٣ لتأسيس حركة كفاية.. والحقيقة أن التاريخ قلما يجود بشخص يجمع بين المفكر والناشط السياسي في وزن المسيري.
وأضاف: حزني عليه أكبر من حزني علي والدي، أما عصام سلطان القيادي بحزب الوسط فبدأ كلامه بالقول «المسيري يمثل المجموعة الملهمة للفكرة في هذا الوطن» وأضاف: الفكرة عند المسيري هي مشروع حزب مدني بمرجعية إسلامية وإدماج أبناء الحركات الإسلامية في الحركة السياسية وأيضا فكرة الإسلام الحضاري، وقال «المسيري أحد مؤسسي الوسط وكاتب مقدمة برنامجه وشارك في صياغة أفكاره الأساسية».
وأشار سلطان إلي أن خسارة وفاته لا تعوض، وقال: أهم إبداعاته علي الإطلاق هو تنبؤه بانهيار دولة إسرائيل علي أسس علمية وتاريخية، وتابع: لاشك أن وفاة المسيري ستسعد الكثيرين وأولهم الصهاينة وأصحاب الفكر الرأسمالي المتوحش وأعداء الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان.
اهتم بدراسة «الصهيونية».. فتوقع «انهيار إسرائيل» بعد ٥٠ عامًا
كتب-خالد عمر عبد الحليم
تنوعت مؤلفات عبدالوهاب المسيري بشكل يوضح طبيعته كمثقف «شامل» لا يقتصر علمه أو إنتاجه الثقافي علي ما درسه وتخصص فيه، وهو الأدب الإنجليزي، بل امتد ليشمل نواحي أخري متعددة.
وتعد موسوعة «اليهود واليهودية» العمل الأشهر للمسيري، إذ وصفها المراقبون بأنها العمل الأول الذي حاول دراسة تاريخ اليهود وثقافتهم بشكل محايد يستبعد التعريفات المنتشرة للظاهرة، والتي تدفع لاتخاذ مواقف إما مؤيدة أو معارضة لليهود، لاسيما أنها تناولت تطور اليهود منذ نشأة الديانة وحتي قيام إسرائيل، وذلك في ٨ مجلدات ضخمة أعطت الموسوعة ثقلا كبيرًا لما تضمه من تحليل علمي للظاهرة اليهودية.
ولم تقتصر مؤلفات المسيري حول «الصهيونية» علي الموسوعة فقط، ولكنها شملت العديد من الكتب التي شكلت إثراء «للمكتبة العربية» ومن بينها «الصهيونية وخيوط العنكبوت»، و«الصهيونية والحضارة الغربية الحديثة»، و«التجانس اليهودي والشخصية اليهودية»، و«انهيار إسرائيل من الداخل» و«مقدمةٌ لدراسة الصراع العربي- الإسرائيلي: جذوره ومساره ومستقبله».
وأكدت مساهمات المسيري الفكرية علي أنه كان مثقفًا حقيقيا، إذ إن غالبيتها تستند إلي مراجع ودراسات مهمة، غير أنه كان «يسبح ضد التيار» بها - حسب الكثير من المثقفين - ليؤكد أنه لم يكن - كآخرين- يستغل الثقافة كتجارة ليتقدم في المجتمع أو ليحقق أهدافا خاصة، بل كان تسعي للوصول إلي الحقيقة بغض النظر عن الثمن الذي يدفعه.
وقدم المسيري العديد من الأفكار في هذا الشأن، إذ رأي أن إسرائيل تحمل عوامل سقوطها من الداخل وقدّر زمن سقوطها بـ٥٠ عامًا، مشيرًا إلي أن ذلك يرجع لما يعانيه المجتمع الإسرائيلي من «تناقضات» يصعب أن يظل في ظلها متماسكا.
ورصد المسيري العديد من الأزمات في إسرائيل في هذا الإطار، أبرزها - حسب دراساته - العنصرية، ولاسيما ضد اليهود الشرقيين والفلاشا، وأزمة الهروب الجماعي من التجنيد في إسرائيل، وأزمة الهوية التي يعانيها أبناء الجيلين الثاني والثالث في إسرائيل، وزيادة معدلات الهجرة العكسية من إسرائيل، وهو ما يعد «تقويضا» من وجهة نظره لأسس بناء «دولة المهاجرين».
بروفايل .. موسوعة الفكر تطوي صفحتها الأخيرة
كتبت ـ نشوي الحوفي
البداية كانت عام ١٩٣٨ بمدينة دمنهور بمحافظة البحيرة لطفل صغير في عائلة ميسورة الحال من عائلات الطبقة الوسطي، إنه المفكر عبد الوهاب المسيري الذي كان منذ الصبا مولعاً بالقراءة والاطلاع علي كل ما تقع عليه يده من كتب، شأنه في ذلك شأن الكثيرين من أبناء جيله، ويكبر الصبي وتزداد علاقته بالقراءة توثقاً فيلتحق بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية في العام ١٩٥٥ دارساً بقسم اللغة الإنجليزية بها، والذي تخرج فيه عام ١٩٥٩ .
كانت الرغبة في المزيد من العلم كالنداهة التي تلح عليه ليرحل معها باحثاً ومستزيداً، فكان الترحال إلي الولايات المتحدة الأمريكية في مطلع الستينيات، حيث التحق بجامعة كولومبيا ليقضي معظم وقته بين أوراق ومؤلفات مكتبتها ينهل منها، حتي استقر علي موضوع رسالة الماجستير التي حصل عليها في العام ١٩٦٤ وكان بعنوان «الأدب الإنجليزي المقارن»، ويستمر الإبحار في عالم اللغة لينهي رسالة الدكتوراه بعنوان «الأدب الإنجليزي والأمريكي المقارن» وحصل عليها عام ١٩٦٩ من جامعة رتجرز بولاية نيوجيرسي الأمريكية.
وكما كان الترحال رغبة في التعلم دافعاً للسفر، كان الحنين للوطن سبباً في العودة مرة أخري لمصر التي التحق عقب وصوله لأرضها بالعمل بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام عام ١٩٧٠ كرئيس لوحدة الفكر الصهيوني والتي استمر في رئاستها حتي عام ١٩٧٥، حين تركها ليتولي منصب المستشار الثقافي للوفد الدائم لجامعة الدول العربية لدي هيئة الأمم المتحدة بنيويورك في الفترة من عام ١٩٧٥ وحتي عام ١٩٧٩ عاد بعدها مرة أخري لمصر وقام بتدريس الأدب الإنجليزي والمقارن بجامعة عين شمس حتي عام ١٩٨٣، سافر بعدها لتدريس نفس المادة في جامعتي الملك سعود ثم جامعة الكويت ولتطول غربته لعام ١٩٨٨ حين قرر العودة مرة أخري لجامعة عين شمس التي عمل بها كأستاذ غير متفرغ. في العام ١٩٩٣ التحق دكتور عبد الوهاب المسيري بالعمل مستشاراً أكاديمياً للمعهد العالمي للفكر الإسلامي بواشنطن، كما اختير لعضوية مجلس الأمناء لجامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية بواشنطن منذ عام ١٩٩٧ وحتي وفاته.
وشغل المفكر عبد الوهاب المسيري الساحة الفكرية العربية والغربية بمؤلفاته الباحثة المنقبة في مجالات عدة، إلا أن أشهر تلك المؤلفات علي الإطلاق كان موسوعته التي حملت عنوان «اليهود واليهودية والصهيونية» وخرجت للمكتبة العربية في ثمانية مجلدات كان قد بدأ العمل بها منذ العام ١٩٧٢ وانتهي منها في العام ١٩٩٩، وقد صنف بعدها كواحد من أبرز المؤرخين العالميين في هذا المجال، حيث قدمت الموسوعة نظرة جديدة بانورامية وموضوعية في ذات الوقت عن الظاهرة الصهيونية في العالم بأسلوب اعتمد علي التحليل العلمي لها، كما قدم للمكتبة العربية عدداً آخر من الكتب من أشهرها «إشكالية التحيز»، «الجمعيات السرية في العالم»، «فكر حركة الاستنارة وتناقضاته»، و«رحلتي الفكرية في البذور والجذور والثمر» وهو المؤلف الذي عرض فيه لسيرته الذاتية وقدمه للقارئ في العام ٢٠٠١.
الطريف أن المفكر عبد الوهاب المسيري قدم عدداً من قصص الأطفال حاز عنها علي جائزة سوزان مبارك لأدب الطفل في عامي ٢٠٠٠، و٢٠٠٣ ومن بين هذه القصص «نور والذئب الشهير بالمكار»، و«سندريللا وزينب هانم خاتون»، و«رحلة إلي جزيرة الدويشة»، ولم تكن المكتبة العربية هي وحدها التي استفادت من فكر عبد الوهاب المسيري حيث تُرجمت بعض أعماله إلي الإنجليزية والفارسية والتركية والبرتغالية.
في عام ٢٠٠٥ انضم الكاتب عبد الوهاب المسيري لحركة «كفاية» السياسية المعارضة، وشارك عبر عضويته بها في العديد من الأحداث والندوات التي برر فيها ضرورة التغيير السياسي في مصر. وفي يناير من عام ٢٠٠٧ اختير المسيري منسقاً عاماً للحركة من قبل أعضائها، بعد انتهاء المدة المحددة لمنسقها الأول جورج إسحق.
بدأت علاقة المفكر عبد الوهاب المسيري بالمرض في العام ٢٠٠١ حيث خضع لجراحة في الظهر اكتشف الأطباء خلالها إصابته بسرطان الدم، مما اضطره للخضوع لجلسات علاج بعد الجراحة داوم عليها حتي وفاته، كما سافر إلي الولايات المتحدة في العام الماضي وأجري عملية جراحية أخري لزرع النخاع. وكان الفقيد قد تقدم بطلب لوزارة الصحة المصرية لتحمل نفقات علاجه التي كلفته كل ما يملك منذ بداية رحلته مع المرض، إلا أن طلبه لم يتم الرد عليه، وهو ما دفع بالأمير عبد العزيز بن فهد إلي إعلان تحمله كافة نفقات علاجه سواء داخل مصر أو خارجها.
ويرحل عبد الوهاب المسيري المفكر والعالم والكاتب وقبل كل هذا الإنسان المتواضع الذي ما فتئ يمنح خبرته وتجاربه وإجاباته لكل من يلجأ إليه.
«تجاهلت» الحكومة علاجه.. فداواه أمراء سعوديون بعد مقال في «عكاظ»
كتب - أسامة المهدي
ودعت مصر المفكر الإسلامي الدكتور عبدالوهاب المسيري، بعد رحلة علاج استمرت ٦ سنوات، تجاهلت خلالها الحكومة المصرية العديد من طلبات أصدقائه المقربين من النظام لعلاجه علي نفقة الدولة، بدعوي أن الأمر لايزال محل الدراسة.
ولم تشفع المؤلفات المهمة للمسيري سوي عند الأمير السعودي عبدالعزيز بن فهد، حيث تبرع بعلاجه علي نفقته الشخصية بمبلغ وصل إلي مليوني جنيه، مما أثار أوساط السياسيين والمثقفين في مصر علي الحكومة، بسبب ما وصفوه بـ«المماطلة» و«الجحود» في علاج أكبر مفكري الوطن العربي صاحب موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية.
وكانت «المصري اليوم»، قد التقت المسيري فور عودته من رحلة علاجية من الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أوضح قصته مع الحكومة المصرية ومسألة علاجه علي نفقة الدولة.
كانت البداية حين قدم الدكتور عبدالوهاب المسيري طلباً إلي وزارة الصحة عن طريق الدكتور أسامة الباز، المستشار السياسي للرئيس مبارك، بسفره إلي الخارج لإجراء عملية زرع نخاع بسبب تفشي السرطان فيه، لكنه فوجئ بأن الطلب سيدرس أولاً، بعدها ستقرر اللجنة المختصة الموافقة أو لا، واستمرت اللجنة تدرس الطلب حتي عام ٢٠٠٦.
ولم ينقذ المسيري وقتها سوي مقال كتبه الدكتور محمد الحمد، ونشر في صحيفة «عكاظ» السعودية، حيث تحدث فيه عن رفض الحكومة المصرية علاج عبدالوهاب المسيري، وبعدها فوجئ المسيري بمكتب الأمير عبدالعزيز بن فهد يتصل به ليخبره بأن عليه استقلال الطائرة الخاصة بالأمير، لتوصيله إلي الولايات المتحدة الأمريكية لاستكمال علاجه علي نفقته الشخصية، وبعد تردد من المسيري وافق بسبب انتشار المرض في جسده.
اللافت أن المسيري وجد استقبالاً رائعاً في مطار واشنطن من مسؤولي السفارة السعودية هناك، في غياب تام لأي مسؤول سياسي أو دبلوماسي مصري.
ولم ينته اهتمام الأمراء السعوديين بدعم رحلة علاج المسيري، ففي عام ٢٠٠٧ اتصل بالمسيري مكتب الأمير سلطان بن عبدالعزيز، وأكد له أن الأمير سيتحمل تكاليف متابعة رحلة العلاج، وأمام إصرار الأمير سلطان ورجاء الأمير عبدالعزيز، وافق المسيري وسافر مرة أخري إلي أمريكا لمتابعة رحلة علاجه، خاصة أن مرض السرطان يحتاج إلي متابعة مستمرة.
وما زاد علي المسيري مرضه - حسب حواره السابق لـ«المصري اليوم» - هو تجاهل المسؤولين في الحكومة سواء في أمريكا أو في مصر له، مؤكداً أنه لم يتصل به أحد، مما اعتبرها إهانة له ولمكانته العلمية والثقافية، خاصة مع حجم الاستقبال الجماهيري الذي وجده في مطار القاهرة فور وصوله.
ورفض المسيري أي ربط بين رفض الحكومة علاجه علي نفقة الدولة، وتوليه منصب منسق عام لحركة «كفاية»، حيث أوضح في أكثر من لقاء صحفي أن طلبه الحكومة جاء قبل تولي منصب المنسق العام بأكثر من ثلاث سنوات.

ليست هناك تعليقات: