الأربعاء، 4 يونيو 2008

فهمى هويدى يكتب: نبذة عن كرامة مجلس الشعب

يستحق منا الدكتور فتحي سرور شكرًا خاصًا لأنه ذكَّرنا بكرامة مجلس الشعب، وطلب أن تعبر الحكومة عن احترامها له، من خلال وجود من يمثلها أثناء مناقشة القوانين التي أحالتها إليه.
صحيح أنه كان غاضبًا ومنفعلاً حين قال ذلك الكلام، وأنه سحبه بعد ذلك وطلب حذفه من المضبطة قائلاً إنه لم يكن انتقادًا رسميًا، ولكنه كان رسالة ودية أراد توصيلها إلي الدكتور مفيد شهاب - وزير الدولة للشئون القانونية - إلا أن ما يهمنا أن الكلمات صدرت عنه ونشرتها الصحف المستقلة علي الملأ.
خلاصة ما جري أن المجلس كان يناقش
قانون المرور يوم السبت الماضي 31/5، وكان الدكتور مفيد شهاب حاضرًا ممثلاً عن الحكومة، لكنه غاب لبعض الوقت، وحين لاحظ الدكتور سرور ذلك، فإنه أبدي استياءه من مناقشة مشروع قانون قدمته الحكومة في غياب ممثلها، وهدد بإلغاء الجلسة لهذا السبب.
وأثناء حديثه دخل الدكتور شهاب إلي القاعة، وسمع جزءًا من كلام الدكتور سرور، فرد عليه قائلاً إنه مريض ولديه اعتبارات صحية تضطره للذهاب إلي دورة المياه، وأن غيابه لا ينبغي أن يفسر بمثابة انتقاص من جانب الحكومة لاحترام المجلس وكرامته. لكن الدكتور سرور قال بدوره إن الوزير غاب لأكثر من ساعة وهي مدة طويلة نسبيًا، وكان عليه أن يصطحب معه أحد معاونيه ليسد الفراغ في حالة غيابه، مضيفًا أنه قال ما قاله غضبًا لكرامة المجلس، وتعبيرًا عن ضرورة احترامه.
لا أستبعد أن يكون الدكتور مفيد شهاب، المعروف عنه أدبه الجم ودماثة خلقه، قد غادر الجلسة لبعض الوقت مطمئنًا إلي موافقة المجلس علي المشروع، لسابق علمه بأن الأغلبية الضامنة للحزب الوطني جاهزة لتمرير أي شيء يأتي من جانب الحكومة، لكنه لم يشأ أن يذكر ذلك، وتعلل بحكاية المرض واضطراره الذهاب إلي دورة المياه والبقاء فيها لأكثر من ساعة، بالتالي فلم يستوقفني رد الدكتور شهاب بقدر ما استوقفتني إشارة الدكتور سرور إلي مقتضيات التعبير من احترام المجلس وحرصه علي الدفاع عن كرامته. ذلك أن تمثيل الحكومة في جلساته مهم لا ريب، وعدم اكتراثها بذلك يعد ماسًا بكرامة المجلس وانتقاصًا من تقديرها لدوره المفترض، إلا أن ذلك يظل اعتبارًا شكليًا بصورة نسبية، أما الاحترام الحقيقي للمجلس والدفاع الجاد عن كرامته فيكون بتمكينه من أداء وظيفته في الرقابة والتشريع.
إن من المفارقات مثلاً أن يناقش المجلس مشروع قانون المرور مادة مادة، في حين يرفض رئيس المجلس مناقشة موضوع تصدير الغاز إلي إسرائيل، وتمسك الحكومة بإخفاء معلومات الصفقة عن أعضائه، رغم خطورة الموضوع من زوايا الاقتصاد والسياسة والأمن القومي.
وتبلغ المفارقة أقصاها حين تعرض علي المجلس اتفاقية لشراء الغاز من الخارج بسعر 4 دولارات تقريبًا، لتوفيره لشركات الاستثمار في الداخل، في حين أن مصر تبيعه إلي إسرائيل بحوالي دولار واحد لكل مليون وحدة حرارية، وليس هذا هو النموذج الوحيد، لأن الحكومة تعاملت مع المجلس في العديد من الملفات المهمة باعتباره مؤسسة مختصة باعتماد قراراتها، وهو ما حدث في تمديد الطوارئ ورفع الأسعار، وما حدث حين رفضت رئاسة المجلس، ومن ورائها الحكومة بطبيعة الحال، مناقشة مصير حصيلة الخصخصة التي قيل إنها 13 أو 14 مليار دولار، كما رفضت إحالة موضوع الرشاوي التي قدمت للنواب إلي الجهاز المركزي للمحاسبات، ثم إنني لا أعرف لماذا لم يدافع الدكتور سرور عن كرامة المجلس، حين أعدت لجنة تقصي الحقائق تقريرها وتوصياتها في موضوع عبَّارة الموت، ثم لم تكترث به الحكومة وضربت به عرض الحائط؟ أما إذا سألتني لماذا لم يغضب الدكتور سرور لكرامة المجلس في كل الحالات السابقة، وتذكرها حين ذهب الدكتور مفيد إلي دورة المياه لمدة ساعة؟ فردي أن كل ما أراده الرجل هو أن يحافظ علي منظر المجلس وصوره علي شاشات التليفزيون، وأن غيرته الحقيقية كانت علي إحكام إخراج الفيلم الديمقراطي.
المصدر: صحيفة الدستور