السبت، 26 أبريل 2008

نموذج صناعة القرار المصري

بقلم أسامة هيكل - المصرى اليوم
السبت ٢٦ ابريل ٢٠٠٨ عدد ١٤١٣
مَنْ الذي عرض المعلومات الخاصة بإنشاء محافظتي حلوان و٦ أكتوبر؟ هل مر القرار بالمراحل الطبيعية لصناعة أي قرار؟ الإجابة: مستحيل.
وأي قرار لابد أن يحقق هدفا، ولابد أن تتوافر أمام متخذ القرار البيانات الدقيقة الكاملة كي يتخذ قرارا سليما من بين عدة بدائل مطروحة، ولابد أن يصدر القرار في التوقيت المناسب، ولابد من حساب تكلفة القرار.
والهدف المعلن من قرار تقسيم القاهرة والجيزة هو تخفيف العبء عن العاصمة، ولايمكن أبدا أن يتحقق هذا الهدف بمجرد رسم خط علي خريطة الحدود الإدارية للمحافظات، ويمر هذا الخط بين مناطق سكنية قائمة بالفعل ومتاخمة لبعضها البعض، ولايمكن أن يؤدي هذا القرار إلي تحسن الأداء المروري بالقاهرة أو بالجيزة، كما أنه لن يؤدي إلي انفراج في أزمة السكن، بل إنه سيؤدي لزيادة أسعار الشقق السكنية، حيث إن القرار حرم القاهرة والجيزة من الامتداد والتوسع، وسيزيد الطلب كلما زاد السكان.
ومن المؤكد أن القرار جاء متسرعا دون الخضوع لأي دراسة، وربما كانت المعلومات التي وضعت أمام الرئيس قبل اتخاذ القرار مضللة، بدليل التراجع عن دمج الواحات البحرية مع المنيا بعد احتجاج أهالي الواحات، والذي أدي لاكتشاف عدم وجود طريق ممهد يربط الواحات بالمنيا، وقرر الرئيس إعادة الواحات البحرية لمحافظة ٦ أكتوبر التي ترتبط معها بطريق مرصوف. وكذلك لم تتم دراسة موقف المحكمة الدستورية العليا الواقعة بحي البساتين والتي سيؤدي قرار التقسيم إلي إبعادها عن العاصمة، وهو مايشكل مخالفة دستورية، حيث إن المحكمة الدستورية يجب أن تقع في العاصمة وفق نص الدستور.
ولايمكن أن يكون توقيت اتخاذ القرار مناسبا أبدا، فقد صدر القرار في اليوم التالي مباشرة لأداء أعضاء المجالس المحلية الجدد اليمين القانونية، وفوجئوا بعد اليمين بيوم واحد بأنهم لم يعودوا أعضاء مجالس محلية في المحافظات التي أدوا اليمين عليها، وأنهم أصبحوا أعضاء في مجالس محلية بمحافظات جديدة. ولايمكن هنا الزعم بأن القرار كان يجب أن يتزامن مع حركة المحافظين، لأن الحركة مؤجلة أصلا منذ ٣ شهور، ولأن الحركة كان يمكن أن تعلن، وبعد دراسة جدوي التقسيم بدقة، يمكن إضافة محافظين جديدين، ولو استغرق الأمر شهورا.
أما تكلفة القرار، فمن المؤكد أن إنشاء محافظتين جديدتين يتكلف مليارات كثيرة من الجنيهات لا أستطيع تحديدها.. فالمطلوب إنشاء عدد ٢ مبني محافظة و٢ مديرية أمن و٢ مديرية تموين و٢ صحة و٢ تعليم و٢ إسكان و٢ أوقاف.. إلخ، علاوة علي تشكيل جهازين إداريين جديدين، علما بأن الحكومة تسعي منذ سنوات لتقليل الجهاز الإداري بالدولة وتخفيف عبء هذا الجهاز علي الميزانية. ولا أدري ما هذا التناقض، فقد رفض الرئيس مبارك منذ شهور قليلة إنشاء عاصمة إدارية جديدة لمصر، يتم فيها نقل بعض الوزارات والدواوين الحكومية لأنها تتكلف كثيرا.. ووقتها كانت الحكومة تعلن أن المشروع خضع لدراسات مستفيضة، وأنه سيخفف العبء عن القاهرة الكبري!!
علاوة علي هذا وذاك.. فإن الحكومة كانت قد انتهت من إعداد موازنة ٢٠٠٨ /٢٠٠٩.. وهي موازنة بها عجز متوقع قدره ٨٤ مليار جنيه.. وهذا القرار صدر بعد إعداد هذه الموازنة.. فإذا أضيفت للموازنة تكاليف إنشاء المحافظتين سيقفز هذا العجز عدة مليارات أخري.. ويبدو أن إعلان وزير المالية عن فرض ضرائب جديدة منذ أيام جاء محاولة لتغطية نفقات هذا القرار عديم الفائدة للمواطن .
هذا القرار الغريب أزمة جديدة تضاف لسجل مصري حافل بالأزمات التي فجرتها القرارات الخاطئة، وهو نموذج لصناعة القرار في مصر خلال السنوات الماضية.. وكنت أتصور مثلا - لو أن هناك حاجة لمحافظات جديدة - أن يحول الرئيس مدينة الأقصر إلي محافظة، وهو قرار غير مكلف لأن بها جهازاً إدارياً قائماً بالفعل، أو ينشئ محافظة جديدة في وسط سيناء لمحاولة تنمية أكثر من ٨٠% من مساحة سيناء لاتزال خالية من السكان حتي الآن، وتغري الأعداء بالجور عليها، ولكن أحدا لم يتصور أبدا أن يصدر قرار بتقسيم القاهرة والجيزة هذا التقسيم الكوميدي.
لا أحد يرفض التجديد أو التطوير.. ولكن هذا القرار خطأ، ومكلف، ويضر أكثر مما ينفع، ويجب التراجع عنه فورا قبل أن تكون لدينا توشكي ثانية وثالثة.. ويجب أن يقوم الرئيس بمحاسبة المسؤولين الذين قدموا له المعلومات الخاطئة التي اتخذ بها القرار. و من حقنا - كمواطنين - أن نعرف من هو الشخص أو الجهاز الذي وضع تلك المعلومات المضللة أمام الرئيس.. ومن حقنا أن نعرف دوافعه وأهدافه الحقيقية .

ليست هناك تعليقات: