الثلاثاء، 13 يناير 2009

كل واحد يخلى باله من كرتونته

حكى أن أحباب ومريدي الشيخ الراحل/ "عبد الحميد كشك" تجمهروا عقب الإفراج عنه عام 1982 مطالبين بعودته لمسجد "عين الحياة" في منطقة "دير الملاك" بالعباسية حيث كان يخطب الشيخ لسنوات.. وكان ذلك أمام المسجد عقب صلاة الجمعة.. وظل المصلون يهتفون مطالبين بعودة الشيخ للخطابة. وفجأة ظهرت سيارة نقل كبيرة محملة بالبيض، ووقفت على مقربة من المسجد، ونادي منادي من السيارة على البيض الطازج بنصف السعر الذي يباع به البيض بالمجمعات الإستهلاكية في ذلك الوقت. وقف المتظاهرون قليلاً.. ثم بدؤوا يتسللون ناحية السيارة للحاق بالفرصة. وتساءل البعض ما المشكلة أن نبتاع البيض ونكمل المظاهرة؟ دقائق قليلة وألتف المئات حول السيارة.. ونفذ البيض في أقل من ربع ساعة. بعدها بدقائق حضرت قوات مكافحة الشغب، والتي كان من المتوقع أن تخوض معركة حامية الوطيس في صرف المظاهرة.. لكن حدث ما هو غير متوقع.. فلقد وقف كل متظاهر يحمل البيض في يده ينظر للجنود وهم ينزلون من سيارات الشرطة وينظر للبيض الذي في يده والذي حصل عليه بسعر "لقطة".. وتنبه لمصير هذا البيض في حالة الاستمرار في هذه المظاهرة.. وبدأ المتظاهرون في الإنصراف بدون صدام.. فالجميع عنده قناعة أنه يمكن أن تتكرر الوقفات والمظاهرات لكن البيض لن يُعوّض!! ******* وقفت عند هذه الحادثة فلها مغزى ودلالة واضحان.. فكما تصرفت الشرطة أيامها بحكمة في الدفع بالبيض قبل إرسال الأمن المركزي فإن النظام المصري يسير معنا على نهج هذه الواقعة.. النظام المصري يُحَمّل كل منا كرتونة بيض تعيقه عن الحركة خوفاً من وقوع البيض. قد تختلف أشكال كرتونة البيض ولكن النتيجة واحدة.. وهي وقوفنا محلك سر نتحرك داخل أحذيتنا خوفاً من وقوع البيض.. قد تكون كرتونة بيض هي عمل المواطن المصري في أكثر من وظيفة لكي يستطيع أن يعيش.. فلا ينتظر منه أن يفيق وقد إنحنى ظهره من كثرة العمل والأعباء وانشغل تفكيره بتدبير ضروريات الحياة فهل يُنتَظر منه أن ينظر لأحوال الوطن وقد استشرى فيه الفساد؟ ******* هذا المواطن يحمل كرتونة مليئة بالأعباء والمشاكل والهموم تجعله لا يفكر في إصلاح ولا تغيير ولا توريث ولا تحديث.. كل همه هو تأمين الخبز والطعام والدواء والمدارس والملبس والمسكن لأسرته. وقد تكون كرتونة البيض علي شكل نظام تعليمي متخلف يشغله طوال العام بالامتحانات و يرهق الأسرة المصرية بالدروس الخصوصية ويرسل أبناءها جثث لمنازلهم بعد ضربهم بالشلاليت في المدرسة. وقد تكون كرتونة البيض إعلام مضلل لا يعطي للشعب لحظة للتفكير أو التقاط الأنفاس.. فلقد وزعت الأدوار بإتقان فهذا مؤيد وهذا معارض وهذه برامج حوارية تلعن سلسفيل الحكومة لتنفيث الضيق الذي يعتري بعض المنتبهين لما يحدث داخل الوطن. وقد تكون كرتونة البيض إنفاق بلا حدود على فئة من الشعب يهتم النظام بإرضائهم.. أوقد تكون منحة لبعض الشرفاء والمعارضين في ترقية.. أو في بعثة لجهة رسمية بمرتبات خيالية أو منصب في هيئة وهمية.. وعندها لا يستطيع أحد أن يتحرك خوفاً من وقوع البيض أقصد من ضياع المنصب أو الوظيفة. وقد تكون كرتونة البيض حصانة أو نفوذ تفتح الأبواب المغلقة ويطير صاحبها في عالم المليارات حيث تباع له أراضي الوطن بسعر جنيه واحد للفدان. وقد تكون كرتونة البيض خوف ورعب من الآلة الجهنمية للنظام متمثلة في الشرطة.. فيستبد الخوف بالناس ويبعد الأمل في التغيير والذي لا يحدث إلا بنفوس تملؤها الشجاعة والجسارة. ******* عموماً.. تعددت كراتين البيض والنتيجة واحدة.. لا حركة.. لا كلمة.. لا نفس.. لن أقول لكم كل واحد يخلي باله من كرتونته.. ولكن ألقوها.. فكرتونة البيض هذه أذلتنا.. وقهرتنا.. وضيعتنا.. والله.. لن تتقدم بلادنا ونعيش فيها في عزة وكرامة إلا بعد أن يضحي كل منا بكرتونة البيض التي يحملها. ******* م.هيثم أبو خليل مدير مركز "ضحايا" لحقوق الإنسان

ليست هناك تعليقات: