الاثنين، 26 يناير 2009

إبراهيم عيسي: سفينتنا الغارقة


الوضع العربي منيل بنيلة، هذه حقيقة لم يختلف عليها الفرقاء والخصوم من الحكام العرب أنفسهم الذين يختلفون ويتنابذون ويتنافسون ويغمزون ويلمزون ويتصارعون، الكل من الرئيس المصري الذي يري أن السلام مع إسرائيل خيار استراتيجي إلي الرئيس القذافي الذي يري فلسطين إسراطين، ومن الملك السعودي الذي يعتبرونه ملك الاعتدال العربي إلي الرئيس السوري الذي يرونه رئيس التشدد والممانعة، الكل قال ووصف وما وفق إلا ما جمع، فقد أقروا بأن وضعنا العربي في حالة من التفكك والتشرذم والضعف والتحلل!

كويس قوي نورتم المحكمة!

لكن إذا كان الوضع علي هذا النحو فلماذا لا تطبقون عليه قواعد الصرف.. وتنصرفون عن مقاعدكم، فأنتم الحكام الذين أوصلتم الوطن إلي هذا الحال وذلك المآل؟!

الإجابة عن هذا الاقتراح الوجيه تأتي وجيهة من أفصحهم بيانًا وأكثرهم بلاغة السيد عمرو موسي الأمين العام علي هذا الوضع، فهو يقول بثقة نحسده ولاشك عليها حين سئل أو طلب منه أن يستقيل احتجاجا أو إعلانا للفشل، إنه لا يجب أن يقفز من السفينة الغارقة (بالمناسبة هو صاحب تعبير أن العالم العربي صار سفينة غارقة ثم أدخل تحسينات بلاغية واستعارة مكنية عليه فقال: أو علي وشك الغرق) وباعتبار أن اللبيب بالإشارة يفهم، فإنه وغيره قاعدون في السفينة لإنقاذها من الغرق رغم أنهم في الحقيقة أسباب الغرق!

فالبلاغة القديمة البالية (حيث إنه ليس كل قديم باليًا) لا تعفي السيد موسي وعصاه والحكام العرب وهراواتهم من واجبهم ومن اتهامهم بالفشل، لكنهم يصرون علي الاستمرار في الفشل بدعوي نيتهم في النجاح!، والغريب أن قبطان السفينة حين توشك السفينة علي الغرق لابد أن يسأل نفسه في هذه الساعة العصيبة: هل هو وسياسته ونهجه وطريقة حكمه للسفينة سبب غرقها؟ لكن أن يأتي كل حاكم من هؤلاء ومعه أمينهم وبليغهم السيد عمرو فيتحجج بأن المسئولية تحتم عليه الاستمرار وعدم الهروب أو القفز من السفينة فهذا تلاعب ومراوغة لا يملك معها ركاب السفينة سوي التشهد وانتظار الغرق المحقق، فالقبطان هو أول من يُحاكم بعد الغرق (إن نجا) باعتباره المسئول عن هذا الغرق، ثم من قال للقبطان أن يقفز من السفينة أساسا لحظة الغرق؟ فإذا كان الوطن العربي علي هذا الحال بسبب قباطنته فأهلا وسهلا بهم إن اعتزلوا وتركوا مقاعد السلطة وانضموا للبحارة وراء قبطان جديد، فمن المؤكد أن فشلهم لا يعني رميهم من السفينة للحيتان (إذا كانت الحيتان نفسها حلوة وستقبل طعامًا مثل هذا) بل قد يصبح القبطان بعد اعتزاله طاهيا في مطبخ السفينة أو حارسا علي نساء المركب وأطفاله أو حكيما يستشار فيشير أو يقرأ قرآنا ويتلو آيات شريفة لبث القوة الروحية في مواجهة الخطر، أو يرفع حبالا أو يمسك دفة أو يربت علي أكتاف البحارة تعاطفا وتدعيما، هناك مليون دور لهؤلاء القباطنة إن أرادوا خدمة السفينة وركابها بأن يحلوا عن مقاعد السلطة فيها ويتركوا القيادة لغيرهم لعلهم ينقذونها، ثم هذا الاعتزال الاختياري أفضل كذلك من العزل الإجباري حين يتمرد البحارة ويثور الركاب فينتهي الأمر إلي انقلاب علي ظهر السفينة يشيع الفوضي ويؤكد الغرق أو يسلم المركب ليس للأفضل والأجدر بل للأعنف والأكثر فتونة وللأشد قسوة! هذا إذا كانت النية هي إنقاذ السفينة، لكن من الواضح أن هؤلاء الحكام وأمينهم العام يتصورون أن القبطنة منزهة ومنزلة، وأن بقاءهم قرار إلهي، وفي ظن كل واحد فيهم أنه نوح عليه السلام يقود سفينة نجاة وليس للركاب الذين أنعم عليهم ربنا عز وجل بالركوب مع نوح أن يطالبوه بالرحيل فلولاه ما نجوا ولولاه ما صعدوا علي سطح سفينة، وعلي كثرة ما قرأ المرء في قصص الأنبياء فإنه لم يطلع علي ما دار في السفينة بين نوح وركابه، لكنه نبي عظيم ما كان له أن يعاير ركابه بفضله وحكمته وما كان له أن يفرض نفسه عليهم لو رأي السفينة تغرق!

ركاب سفينة نوح ركبوا معه خوفا من الطوفان، أما ركاب سفينة الحكام العرب فهم يتمنون الآن قبل غد الطوفان لعله ينجيهم من السفينة وقبطانها!!


http://dostor.org/ar/index.php?option=com_content&task=view&id=13433&Itemid=64

ليست هناك تعليقات: