السبت، 2 أغسطس 2008

خطة لقلب نظـــام الحكم : د. عبد الحليم قنديل

الأحد, 27/07/2008 - بقلم د. عبد الحليم قنديل / رئيس تحرير صوت الأمة
فيما أعلم باليقين، لاعلاقة لحركة كفاية - من قريب ولا من بعيد- بما يسمي وثيقة مستقبل مصر التي نشرتها الزميلة «المصري اليوم» قبل أيام.ولا يعقل- ببداهة الأمور - أن تكون كفاية شريكا في وثيقة يوافق عليها قيادي بالحزب الوطني مائة بالمائة كما نشرت «المصري اليوم»، ولا أن تكون طرفا في وثيقة هي مجرد نسخة معدلة من برنامج حزب «الجبهة الديمقراطية» الليبرالي» ولاأن تتورط في نداء تسول - باسم المستقبل - يوجه إلي حسني مبارك وإلي فتحي سرور وإلي صفوت الشريف، كما يدعو «سمير عليش» الذي نصب نفسه متحدثا باسم الوثيقة المثيرة للريب.وبالطبع، فقد توقع شخصيات عامة محترمة علي الوثيقة إياها، وبحسن نية مفهوم الدواعي، ومن باب شغل الفراغ، أو من باب الإيحاء بدور حيث لادور، أو من باب الوفاء لرغبة عبر عنها الراحل الدكتور عزيز صدقي رئيس وزراء مصر الأسبق، وقد كان صدقي رئيسا لتكوين حمل اسم «الجبهة الوطنية من أجل التغيير، وفي أواخر أيام صدقي انتهت الجبهة إلي لاشيء، وإلي مجرد اجتماع لعدد من الأصدقاء في مكتب صدقي بالزمالك، وبوفاة صدقي انتهت القصة تماما، إلا من «إيميلات» وفاكسات واتصالات داوم عليها السيد سمير عليش، وهو رجل كان يشاهد بصحبة عزيز صدقي، ويعمل إحصائياً فيما أظن، وليس له من دور أوتاريخ سياسي منظور، وعلامات استفهام كثيرة صاحبت ظهوره الغامض، وقد كان طرفا في توريط عزيز صدقي بتكوين تجمع سياسي، -قبل الجبهة - بدا كأنه مفرغة صواعق، وكلها ملابسات دفعت - مع غيرها - لقراركفاية بترك قصة الجبهة الوطنية عقب وفاة صدقي مباشرة، فقد ثبت أن روح كفاية لم تكن هناك بما يكفي، وأن قصة الجبهة - فوق الملابسات الغامضة -انتهت إلي انحسار في الدور والمعني.ولاعلاقة - بالطبع - لوثيقة عليش بدعوة كفاية المتصلة من شهور إلي بناء «ائتلاف المصريين من أجل التغيير» فكفاية لا تلتقي بأحد بغير شرطها الواضح القاطع، وبغير الحد الأدني لدعوتها، وهو الإنهاء السلمي لنظام مبارك فاقد الشرعية، ورفض التوريث بالعائلة أو التوريث بالمؤسسة، وطريقها هو العصيان والمقاومة المدنية السلمية، و الائتلاف الذي تدعو إليه كفاية هو «كفاية ثانية»، جامعة لأشواق المصريين، «كفاية ثانية» اجتماعية وسياسية معا، وبروح كفاية الأولي، واعتقادها في كسب الحرية بالمقاطعة والعصيان، وباتجاهها إلي خط العمل المباشر علي جبهة الشارع، وبروح الائتلاف إلي حد الامتزاج الوطني الغالبة علي تكوينها، وبابتعادها بالعمد عن عناصر تيبست برؤاها ومفاصلها المفكوكة، وبخيالها التنظيمي المرن المفتوح باتساع أسفلت التظاهر.الائتلاف الذي تدعو إليه كفاية هو تحالف اجتماعي سياسي شامل لقوي التغيير، ويضم كفاية وأخواتها وأحزابها وجماعاتها اللصيقة كنواة صلبة، ويمد الصلات والخطوط إلي طيف واسع من القيادات الطبيعية للإضرابات والاعتصامات وحركات الاحتجاج الاجتماعي وجماعات الشباب الجديدة، ويتسع لقادة الرأي العام وكبار الكتاب والمهنيين والقانونيين والبرلمانيين المعارضين والشخصيات الوطنية العامة القاطعة في انتسابها لأشواق التغيير، وتتكون من كل هؤلاء «جمعية للشعب المصري»، وإطار بديل للنظام غير الشرعي القائم، وبعقيدة المقاطعة التي تعني - حكما- عدم شرعية النظام، وتعني - في الآن نفسه- شرعية الخروج السلمي عليه، وقد كانت تلك عقيدة كفاية منذ ظهرت، وهي تصح الآن كعقيدة لائتلاف التغيير الذي تدعو إليه، والمعني أنه ليس وارادا أن ينضم أو أن يدعي للإئتلاف من لايبدأ بالمقاطعة، فالمقاطعة هي أضعف الإيمان بقضية التغيير، وهي أولي درجات العصيان، وقد لايصح - بالبداهة - أن نتقدم إلي عصيان مدني شامل بدون توافر وسائله ولحظته المناسبة، وربما علينا أن نتقدم إلي درجات متداخلة من العصيان السياسي والاجتماعي القابل للتطور إلي عصيان مدني شامل، ويبدو الوقت المتاح كأنه آخذ في النفاد، وقد كان إضراب 6 أبريل أرقي بروفة عصيان إلي الآن، وأثبت أن العصيان السلمي ليس رؤيا منام ولا حلم يقظة، بل هدف قابل للتحقق.ولا نريد أن نضيع من جديد في دورات الحلقات المفرغة، ولا في كتابة وثائق وبيانات وجمع توقيعات، وقد صدرت العشرات منها عبر ثلاثين سنة مضت، وانتهت - كالعادة- إلي الأرشيف أو إلي أقرب مقلب زبالة، وانتهي الأمر إلي احتقار شعبي عظيم للسياسة التي لاتشفع الأقوال بالأفعال، ولايكفي لرد الاعتبار للسياسة أن تصوغ الهدف بوضوح، ولا حتي أن نعرض علي الناس رؤانا عن مجتمع العدل والحرية، أو عن نظام الأمان والكرامة والعدالة بتعبيرات وثيقة عليش، وقد صدرت عن كفاية مبكرا - في 2005- وثيقة (مصر التي نريد - نحو عقد اجتماعي وسياسي جديد)، بل قد يلزم قبلها أن نجيب عن السؤال: وماذا بعد نهاية مبارك؟، وأي الطرق نسلك بالضبط؟، وهل من سبيل كي لاتقع البلاد في الفوضي، أو أن تنتهي إلي حكم عسكري مجدد يواصل - ويعيد إنتاج- حكم بيروقراطية اللصوص وجماعة البيزنس.ونعتقد أن مقترح كفاية عن المرحلة الانتقالية - وقد ظهر مبكرا - قد يصلح جوابا، فخلع الديكتاتور وعائلته لايعني - بالطبيعة - خلاصا أكيدا من نظام القهر والفقر، إنه فقط مجرد بداية وأول طريق لاستعادة مصر إلي مصر، إنه فقط شرط انتقال من حكم العائلة إلي حكم الشعب.وقد نجازف ونتصور أن تمتد المرحلة الانتقالية لفترة أقصاها سنتين، يترأس البلاد خلالها شخصية عامة تحظي بإجماع وطني، وقد نفضل أن يكون قاضيا، أو ذا خلفية قضائية، وأن تدير البلاد خلالها حكومة ائتلاف وطني تحل محل مؤسسات حكم التزوير والطغيان، وتصوغ مهامها في تسيير الأعمال وإعداد البلاد للحكم الشعبي الديمقراطي.ونتصور أن برنامج حكم الائتلاف الوطني «الانتقالي» قد يصح أن يتضمن - بالأساس - هذه العناصر الجوهرية الثمانية:أولا: إلغاء حالة وقوانين الطوارئ بالجملة، ووقف العمل بتعديلات الانقلاب علي الدستور.ثانيا: إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين، وإلغاء الأحكام التي صدرت بحق مدنيين عن محاكم عسكرية أواستثنائية كمحاكم أمن الدولة، وإجراء مصالحة وطنية شاملة بتعويض المتضررين من الاعتقال العشوائي وجرائم التعذيب.ثالثا: إلغاء كافة القوانين واللوائح والمراسيم المقيدة للحريات، وإطلاق الحريات العامة بتقرير حقوق تكوين الأحزاب والجمعيات والنقابات واتحادات الطلاب والعمال وهيئات التدريس، وضمان حريات الاجتماع والتظاهر والإضراب والاعتصام السلمي بدون قيود إلا ما تعلق منها بحظر التشكيلات العسكرية أو شبه العسكرية، وصيانة مبدأ المواطنة بلا شبهة تمييز.رابعا: ضمان الاستقلال الكامل للسلطة القضائية، وتقرير الإدارة القضائية التامة للانتخابات والاستفتاءات بكافة أنواعها، وفي جميع مراحلها، وتقرير حق التصويت في الانتخابات والاستفتاءات العامة بالبطاقة الشخصية أو العائلية أو ببطاقة الرقم القومي، وإلزام كافة المرشحين لأي هيئة تمثيلية أو تنفيذية بتقديم إقرارات ذمة مالية تنشر في كافة وسائل الإعلام، وتقبل الطعن عليها في مدي محدد من عموم المواطنين.خامسا: تنظيم محاكمات علنية أمام القضاء الطبيعي لعائلة الحكم، وكافة المسئولين الذين عملوا تحت إمرتها. والذين أصدروا قرارات - أو عهد إليهم بالتنفيذ والمتابعة - بالتصرف في أصول مملوكة للشعب أو للدولة، أوشغلوا مناصب أساسية في الحزب الحاكم ووسائل الإعلام المملوكة للدولة، والذين أصدروا قرارات الاعتقال العشوائي، أوكانت لهم مسئولية مباشرة - أو غير مباشرة - عن جرائم التعذيب في السجون وأقسام الشرطة، والذين تضخمت ثرواتهم من رجال الدولة أو القطاع العام أو قطاع الأعمال العام والخاص.سادسا: تنظيم ثلاثة استفتاءات شعبية في قرارات بتجميد أو إلغاء الالتزام بمعاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية، ووقف برنامج الخصخصة، ورفض المعونة الأمريكية وحل هيئاتها، وطرد منتسبيها الأجانب من مصر، وحظر التمويل الأجنبي لأي حزب أو هيئة أو منظمة مدنية.سابعا: تطوير انتاجية الاقتصاد وإعادة توزيع الدخل القومي، بتوجيه نصف احتياطي النقد الأجنبي لاستثمار عام كثيف العمالة، وتنفيذ خطة عاجلة لمضاعفة نسبة الاكتفاء الذاتي من القمح، وكفالة إيجارات عادلة للأراضي الزراعية والمساكن ووقف مسلسل طرد الفلاحين من الأراضي، ودعم مستلزمات الإنتاج لحائزي خمسة أفدنة فأقل، ومضاعفة دعم الخبز والخدمات الأساسية ورفع الحد الأدني للأجور إلي 1200 جنيه شهريا، وتقرير إعانة بطالة للعاطلين بقيمة نصف الحد الأدني للأجور.ثامنا: فتح أوسع حوار شعبي في وسائل الإعلام العامة- المدارة بهيئة مستقلة - لإعداد دستور جديد يكفل مكتسبات الشعب المصري عبر مراحل نضاله الطويل، ويتضمن كافة الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وانتخاب جمعية تأسيسية شعبية تصادق علي الدستور الديمقراطي في نهاية الفترة الانتقالية.وباختصار، هذه خطة لخلع الرئيس وليست نداء استغاثة للرئيس، خطة لقلب نظام الحكم بل لعدله في الحقيقة، هذه خطة لمستقبل مصر - حقا- وليس لمستقبل السيد عليش!

ليست هناك تعليقات: