الأربعاء، 30 يوليو 2008

«المصرى اليوم» تنشر عرضاً مُفصّلاً للكتاب الأزمة «من داخل مصر.. أرض الفراعنة علي حافة ثورة»

عرض محمد فودة ٣٠/٧/٢٠٠٨

منذ نحو شهرين أهدي المؤرخ البريطاني جون برادلي «المصري اليوم» نسخة من كتابه الجديد «داخل مصر.. أرض الفراعنة علي حافة ثورة» - قبل صدوره في الأسواق - والذي قدم فيه مقارنة واضحة بين حال مصر قبل ثورة يوليو ١٩٥٢ وبعدها، وركز علي ما وصفه بـ «التدني الكبير في القيم والأفكار وتدهور الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية في مصر»، والتي اعتبرها ذات موروث حضاري وثقافي عريق.
وحينما اختار برادلي «المصري اليوم» ليهديها كتابه الجديد، طلب عدم عرضه صحفياً لحين صدوره في الأسواق، إلا أنه منذ أيام قليلة أكد وموزع كتبه، أن السلطات المصرية قررت حظر دخول وتوزيع الكتاب داخل مصر، وهو ما نفته وزارة الإعلام، التي قالت إن الكتاب عُرض كغيره علي لجنة، ولم تستصدر أي قرار بحظره.
ونظراً للغط الذي أثير حول هذا الكتاب قبل أن يطبع وبعد ذلك، كان من الضروري أن تقدمه «المصري اليوم» في عرض واف يتضمن أبرز محاوره ونقاطه، لتترك الحكم للقاريء حول ما إذا كان هذا الكتاب يستحق الحظر، أم لا.
قال عميل وكالة الاستخبارات الأمريكية روبرت بير إن الكتاب الجديد للمؤرخ البريطاني جون برادلي «داخل مصر.. أرض الفراعنة علي حافة ثورة» يصيب قلب الحقيقة ويشرح كيف أصبحت مصر - التي وصفها بأحد الأعمدة التي تستند عليها الهيمنة الأمريكية بالمنطقة - علي وشك الانهيار.
أما الكاتب الأمريكي المعروف بيتر بيرجن صاحب كتابي «الحرب المقدسة» و «بن لادن كما عرفته» فقد وصف كتاب برادلي قائلاً: «إنه عرض غاضب ومحكم وماهر ومشوق للواقع السياسي والاجتماعي في مصر».
فيما يؤكد برادلي نفسه أنه قضي أكثر من أربع سنوات يجمع المعلومات والآراء والأفكار والصور ليضعها في كتابه الجديد عن مصر، متوقعاً أن يحقق نفس انتشار كتابه السابق «داخل السعودية.. مملكة في أزمة»، والذي حقق أعلي مبيعات حين صدوره.
قسّم برادلي كتابه إلي ثمانية فصول، تناول كل واحد منها جانباً رئيسياً في الهيكلين الاجتماعي والسياسي لمصر، واللذين يعتبرهما المؤلف محركا لما قد تشهده البلاد خلال الفترة المقبلة - حسب توقعاته - فتحدث في الفصل الأول عن ثورة يوليو، والتي اعتبرها «انقلاباً عسكرياً»، وتناول في «الثاني» الإخوان المسلمين، و«الثالث» الأقباط والصوفيين، و«الرابع» البدو، و«الخامس» التعذيب، و«السادس» الفساد، و«السابع» عن الكرامة المفقودة، أما الفصل الأخير فحمل عنوان «مصر بعد مبارك».
بدأ المؤرخ كتابه بوصف «غاضب» في الفصل الأول لما أطلق عليه «التشويه الذي تعرضت له مصر بسبب الثورة»، حيث قال :إن عواقب ذلك الانقلاب لاتزال تحل بالبلاد التي تتعرض حالياً لأسوأ موجة اضطرابات منذ وقوعه، وتشهد ظروفاً مماثلة لتلك التي تسببت في الثورة.
وقلل الكتاب من الحملة التي يتبناها النظام الحالي للإصلاح، ناقلاً عن رئيس اتحاد الأطباء النفسيين في مصر الدكتور أحمد عكاشة قوله: إن مبارك يريد التغيير بعد ٢٥ عاماً من الحكم، مؤكدا أن هذا مستحيل لأن الإصلاح يحتاج إلي منهج ذهني وهذا لا يتوفر للنظام الحالي - «حسب قوله».
وركز الفصل الثاني علي جماعة الإخوان المسلمين، حيث قدم الكاتب مقارنة بين حال الجماعة قبل الثورة ودورها الاجتماعي والسياسي في مواجهة الاحتلال، كواحدة من الجماعات الوطنية في البلاد تحت زعامة مؤسسها حسن البنا، مشيراً إلي أن الأخير كان يهدف إلي «إصلاح القلوب والعقول، وإعادة المسلمين إلي الإسلام الصحيح، بعيداً عن الفساد الأخلاقي الذي رسخه الاحتلال في البلاد».
ورأي برادلي أن حال الإخوان «تراجع في عهد مبارك»، حيث تم الزج بالآلاف منهم في السجون دون تهم محددة - حسب قوله - بعد أن استخدم النظام ضدهم قانون الطواريء، الذي أُعلن عقب اغتيال السادات، وعاني الكثير منهم - خصوصاً القيادات - الأمرّين من التعذيب في السجون، وحتي الآن يمكن جرهم إلي المعتقل في أي وقت بتهمة الانتماء إلي جماعة محظورة قانوناً.
وتطرق الكاتب إلي الوضع الحالي للإخوان وتمثيلهم كمستقلين بـ ٨٨ مقعداً في البرلمان، معتمداً علي لقاء موسع عقده مع المتحدث باسم الكتلة البرلمانية النائب حمدي حسن، والذي اعتقل مرتين منذ انتخابات ٢٠٠٥، حيث أشار حسن إلي أن النظام يصر علي «مضايقة ومطاردة أعضاء الجماعة، لمنعها من تحقيق أهدافها.
وقال النائب الإخواني: «أي تغيير مفاجئ سيؤدي إلي حدوث فوضي في مصر والعالم أجمع، مشيراً إلي أن أعضاء الجماعة «منتشرون في جميع القطاعات والهيئات»، وهذا يجعل برنامجها «مختلفاً»، حيث يعتمد - حسب حسن - علي تلبية احتياجات الناس في كل المستويات والمحافظات. وأضاف: «نحن لا نريد دولة إسلامية، لكننا نسعي إلي خلق حضارة حديثة بجذور إسلامية، ولا توجد لدينا مشكلة مع الديمقراطية والدستور.
وحاول برادلي، خلال لقائه زعيم كتلة الإخوان في البرلمان، الإجابة عن عدة تساؤلات منها علاقة الجماعة بالتيارات الأخري في المعارضة، والمساحة التي تسمح بها في حرية التعبير وموقفها من أمريكا، فأجابه حمدي حسن قائلاً: «هناك أرضية سياسية مشتركة بين الإخوان وبقية تيارات المعارضة، وهناك اتفاق في الكثير من الأمور، مثل رفض نقل الحكم إلي جمال مبارك، ويوضح كذلك أن «القرآن» لا يلغي حرية التعبير، بل يرسخها لدي الجميع».
وحول موقف الجماعة من الولايات المتحدة قال حسن: «لا يجب أن تخاف أمريكا من الإخوان، فقد شنت حروبها باسم الديمقراطية والعدالة، ولكن العكس هو الصحيح فهي تدعم الزعماء المستبدين ضد شعوبهم، رغم علمها بالتجاوزات التي يقومون بها»، مشيراً إلي أن الأمريكيين «يتحملون مسؤولية معاناة المسلمين والعرب».
ورغم الدفاع القوي للنائب الإخواني عن مبادئ وأفكار جماعته فإن المؤلف رأي أن نواب الإخوان ركزوا بشدة، منذ عام ٢٠٠٠ إلي ٢٠٠٥، علي الحد من حرية التعبير في ثالوث الفكر، الثقافة والإعلام والتعليم، منفذين بذلك أجندتهم الخاصة في أسلمة المجتمع من جذوره، مستدلاً بعدة تجارب منها حملة الجماعة ضد رواية «وليمة لأعشاب البحر» واتهامها لوزير الثقافة فاروق حسني بشن حرب لصالح أمريكا ضد الهوية الإسلامية.
وقال برادلي: «إن استخدام سلاح الثقافة من جانب الإخوان في التغلغل إلي شرائح المجتمع ليس مستغرباً علي الإطلاق في ظل سيطرة الدولة علي البلاد وحكم النظام الأبوي، لافتاً إلي أن الإخوان يعرفون كيفية استخدام القيم والأفكار التي تغازل المشاعر وتلعب عاطفيا علي أوتارهم.
واستند الكاتب البريطاني إلي قصة تكفير الدكتور نصر حامد أبوزيد «الأستاذ في جامعة القاهرة» باعتبارها أكثر الشواهد وضوحاً - حسب وصفه - علي كيفية تلاعبها بمشاعر الناس، مشيرا إلي أن المحامي الإسلامي الذي تولي القضية ضد أبوزيد - ليس بصفته إخوانياً - قال: «هذه مجرد بداية ضد من يظن نفسه فوق الإسلام».
وأشار الكاتب إلي أن الأجندة السياسية المفصلة الأولي التي نشرت في أواخر ٢٠٠٧ تكشف الألوان الحقيقية للإخوان، حيث تُحرّم الجماعة تعيين النساء أو الأقباط في منصب الرئاسة، وتمنح الشيوخ دوراً رقابياً علي الحكومة وهو ما أعاد إلي أذهان الكثير من المراقبين الواقع المرعب لدولة المرجعية الإسلامية في إيران.
وأوضح برادلي أن الغرب يراقب الصعود التدريجي السياسي للإخوان، مشيراً إلي أن أداءهم الجيد في انتخابات ٢٠٠٥ دفع كثيراً من المحللين إلي مطالبة واشنطن بتغيير سياستها تجاه الجماعة، باعتبارها أقل الشريرين مقارنة بالنظام الحاكم.
واستدرك برادلي في كتابه قائلاً: «بالرغم مما سبق ربما ننظر بشيء من السطحية إلي نتائج العملية الانتخابية، والإخوان، برغم أدائهم، لم يفوزوا سوي بـ ٢٠% من المقاعد، والأهم من ذلك أن ٢٥% فقط من المصريين قاموا بالتصويت، وهذا يعني أن الغالبية العظمي من الشعب لم تصوت سواء للإخوان أو لحزب مبارك الذي يستخدم نجاح الجماعة في حصد عدد كبير من المقاعد خلال الانتخابات كفزاعة لتخويف واشنطن من صعود الإسلاميين، لكن هذا في حد ذاته لعبة خطرة من جانب نظام يستخدم أدوات متطرفة للحفاظ علي عمره القصير.
وأعرب الكاتب عن اعتقاده أن جماعة الإخوان ربما تكمن في الظل انتظاراً للحظة المناسبة التي تنقض فيها علي الحكم، وهي تنظم وتدرب نفسها لتكون في أفضل المواقف التي تمكنها من ملء الفراغ بسرعة عند حدوثه.
وفي الفصل الثالث يتطرق الكاتب إلي طائفتين تعتقدان أنهما مستهدفتان من جانب النظام المصري وجماعة الإخوان، أولاهما جماعات الصوفيين التي قُدر أفرادها بحوالي ستة ملايين رجل، بالإضافة إلي ملايين من النساء والأطفال الذين يحجون إلي الموالد، مشيراً إلي أن الشرطة بدأت تتعامل بقسوة مع التجمعات الصوفية لأسباب أبعد من مجرد سعيها لمنع تجمع الحشود في الشوارع.
وأرجع برادلي هذا التعامل الشرس مع الجماعات الصوفية إلي طغيان الفكر الوهابي الرافض لهذه الطقوس علي العقيدة الدينية والسياسية في البلاد.
وأعرب عن اعتقاده بأن ثمة فائدة كبيرة كانت ستعم علي الجميع لو صدّرت مصر فكرها الصوفي المعتدل إلي السعودية بدلاً من استيراد الأيديولوجية الوهابية التي عادت إلي مصر مع عناصر الإخوان الذين فروا في عهد عبدالناصر وعادوا في عهد السادات وأيضا مع ملايين العمال ذوي الثقافة المحدودة الذين أشربوا هذه العقيدة.
وقال الكاتب: «إن الصراع بين الوهابية والصوفية جزء من الحرب الفكرية والسياسية ذات الأصول التاريخية بين مصر والسعودية، معتبرا أن انتصار الوهابية مؤشر لغياب الزعامة عن القاهرة في جميع المجالات لصالح الرياض.
أما الطائفة الثانية التي تناولها الكاتب في الفصل الثالث فهي الأقباط، حيث اعتمد علي عدد من اللقاءات التي جمعت برادلي مع أشخاص مسيحيين تربطه بهم صداقات في مصر، وفي بداية حديثه ساق حكماً بأن العلاقة بين المسلمين والأقباط في مصر تكون ودية طالما تقبل المسيحيون أنهم مواطنون من الدرجة الثانية، لافتاً إلي أن هذا الوضع يستمر من جانب المسلمين المعتدلين، لكن المتشددين، ومعظمهم قادم من السعودية ويعيش في الصعيد - علي حد قوله - لا يقبلون حتي بذلك.
ونقل برادلي عن جورجيت قلليني «إحدي الرموز القبطية في الحزب الوطني الحاكم» أن المشكلة ظهرت حينما بدأ المسلمون، خاصة الذين يعيشون في الصعيد، السفر إلي السعودية ودول الخليج للعمل في حقول النفط ،حيث عادوا متشبعين بالفكر الوهابي المتشدد، الغريب كلياً عن المذهب الديني المعتدل في مصر.
وفي سياق الكتاب خصص برادلي فصلاً كاملاً للبدو بدأه بشرح تفصيلي لأزماتهم الأخيرة في مصر وجذورهم التاريخية والقبائل الموجودة في شبه جزيرة سيناء والصحراء الغربية، ثم انتقل بعد ذلك إلي وصف طبيعة البدو كأفراد يعيشون في ظروف معينة فرضت عليهم نوعا من القسوة في الطباع وجعلتهم - علي حد وصفه - قابلين للشراء من جانب حكومات أو أفراد في البلدان التي يعيشون فيها، منتهياً إلي نتيجة تؤكد أن كل الدول التي يعيش بها بدو حاولت حكوماتها مهادنتهم حفاظاً علي الاستقرار، لكن تصرفت الحكومة المصرية علي النقيض وأصرت علي تغيير أسلوب حياتهم بأساليب قاسية.
وأشار برادلي إلي أن الامتداد العمراني المدني في أراضي سيناء قابله نوع من التهميش للبدو الذين يعانون كثيراً من البطالة والعزلة في الصحراء فضلاً عن الجهل ونقص التدريب لإنشاء مشروعات صناعية صغيرة تناسب طبيعة المنطقة، لافتا إلي أنه في عام ٢٠٠٢ فقط توفرت ما بين ١٠ و٣٠ ألف فرصة عمل في ١١٠ فنادق في سيناء، ولكن المفارقة ان غالبية الذين تمت توظيفهم جاءوا من القاهرة والدلتا للحد من مشكلة البطالة هناك.
وقال برادلي إن البدو يشعرون بأن الحكومة تتعمد تهميشهم وعزلهم لصالح الذين يأتون من خارج أراضيهم، مستنداً إلي حالة قرية «جرغانة» الساحلية في سيناء، التي يعيش أهلها قرب غابات من أشجار المانجروف ويعتمدون بشكل أساسي علي الصيد في الصيف وحفظ الأسماك في الشتاء، موضحاً أن أهالي هذه القرية يتعرضون لمحاولات الأبعاد من جانب أصحاب القري السياحية في المنطقة المدعومين من الحكومة والذين يحاولون منعهم من الصيد الذي يتكسبون منه.
وأضاف أن وضع البدو في جنوب سيناء مختلف عن شمالها حيث يستطيع أهل الجنوب التكسب علي الهامش من صناعة السياحة المنتشرة هناك في حين يبدو الوضع مأساويا في الشمال فالسياحة تكاد تكون شبه معدومة ووعود الحكومة بتقديم الدعم والمساعدات وبناء المشروعات الجديدة تحولت إلي مزحة وهو الأمر الذي حول أهل هذه البقعة إلي قنبلة موقوتة.
وأشار إلي أن تقارير وكالات التنمية الدولية توضح أن نسبة الجهل بين البدو تزيد علي ٩٠%، علي الصعيد السياسي فالنظام المصري يخطئ في التعامل مع مشكلة البدو، حيث يوكلها كلياً إلي الأمن الذي يختار حالياً شيوخ القبائل علي غرار اختياره أئمة المساجد في الدولة ، مما جعلهم غير مقبولين من جانب العامة في المساجد، كما جعل الشيوخ غير موثوق بهم في القبائل.
واعتبر الكاتب أن مسألة الولاء هي جوهر المشكلة والثقة ليست كاملة بين الحكومة والبدو وأرجع ذلك إلي فترة الاحتلال الإسرائيلي لسيناء، مشيراً إلي أن هناك اتهامات متكررة للبدو بأنهم طابور خامس يعمل لصالح إسرائيل وفي الأزمات الأخيرة لوح بعض أفراد البدو بهذا الكارت إلا أن رؤساء القبائل أكدوا ولاءهم الكامل وانتماءهم كمواطنين مصريين، وقال شيخ قبيلة العزازمة الأكبر في سيناء إننا مصريون رغم تعامل الحكومة السلبي معنا وطلب من مبارك مساعدتهم.
وأنهي هذا الفصل قائلا: إن من العار علي مصر في ظل هذه المعاناة للبدو أن تقتصر المساعدات التي يتلقونها علي تلك التي تأتي من الخارج والأسوأ من ذلك أن بعض هذه المساعدات يأتي من البرنامج العالمي للغذاء التابع للأمم المتحدة، الذي يفترض أنه معني بتوفير المعونات للشعوب المنكوبة التي تعاني من مجاعات.
ونقل عن مدير البرنامج العالمي للغذاء، فيشوباراجولي، قوله إن الإحصاءات لن تكشف فقر هذه المنطقة، لأن القناع السياحي المتمثل في شرم الشيخ سوف يزيف الحقيقة لكن المشكلة تتمثل في السكان الأصليين، الذين يمدهم البرنامج بالغذاء والبنية التحتية.
وفي الفصل الخامس تناول برادلي قضية التعذيب وبدأه بقصة حول صديق له من أسوان اعتقل أثناء سيره في الشارع لمجرد الاشتباه، مشيراً إلي أن هذا أمر عادي في مصر فلا يشترط أن تكون مجرماً أو مداناً ليتم القبض عليك، كما ساق عدة أمثلة أخري منها واقعة الطفل محمود عبدالرحمن الذي مات متأثراً بالتعذيب داخل قسم شرطة بالمنصورة، مشيراً إلي أن هذه الواقعة أثرت فيه كثيرا وتساءل عن دور جماعة الإخوان المسلمين في نشرها من خلال تصوير أم الطفل في حالة مزرية، ملمحاً إلي أن الجماعة استغلت المأساة لتحقيق أغراض سياسية.
وقال الكاتب إن جميع التقارير الدولية المتعلقة بهذه المسألة أفادت بأن التعذيب يتم بشكل منهجي بأقسام الشرطة والمعتقلات في مصر، لافتاً إلي أن هناك أدوات رهيبة تستخدم في ذلك ويتعرض المعتقلون للصعق الكهربائي بأماكن حساسة بأجسادهم فضلا عن الاغتصاب من جانب مجرمين يتم استخدامهم في السجون لهذا الغرض، مشيرًا إلي أن مثل هذه الممارسات تعكس قسوة النظام الحاكم في مصر وتكشف الدور الحقيقي للأجهزة الأمنية وهو حماية القادة من الناس بدلا من حماية الناس من المجرمين.
وأشار إلي أن كثيراً من المعتقلين أخبروا منظمة العفو الدولية أنه كان يتم استجوابهم بينما يتعرض زملاؤهم للتعذيب في زنزانات مجاورة، حيث كانوا يسمعون صوت صراخهم ويرون بعد ذلك جروحا متفرقة في أجسادهم، مضيفاً أن هناك أطباء يفحصون الضحايا يومياً للتأكد من قدرتهم علي الاستمرار في التعرض للتعذيب لافتا إلي أن البعض يتم القبض عليه لتشابهه في أسماء مع مطلوبين.
وأضاف برادلي أن تلك الممارسات تشبه إلي حد كبير ما كان يحدث في أحد معتقلات ألمانيا النازية، وكان يعرف باسم «سيبن هافت» مستدلا بقصة شاب جامعي في الثانية والعشرين من عمره تم اعتقاله دون أي تهم أثناء وقوفه أمام منزله في الساعة الثالثة صباحا واقتاده معتقلوه معصوب العينين إلي أحد مقار أمن الدولة في العريش حيث طلب منه التعرف علي بعض الأشخاص وحين قال إنه لا يعرفهم تعرض للإهانة والضرب بقسوة في وجهه ثم خلعوا عنه ملابسه وقيدوا يديه وقدميه إلي الخلف ثم أوصلوا سلكاً كهربائياً إلي أصابعه من طرف والطرف الآخر إلي مكان حساس في جسده وتم صعقه عدة مرات واستمر علي هذا النحو أربعين يوماً ثم نقل إلي السجن المركزي.
وانتقل برادلي بعد ذلك إلي قضية التعذيب بالوكالة، مستفيضاً في الحديث عن عمليات الاستجواب التي تقوم بها الأجهزة الأمنية المصرية لصالح الولايات المتحدة، فيما يسمي بنظام التسليم الاستثنائي، كما تحدث كذلك عن المحاكم العسكرية التي لا تخضع للمواثيق والأعراف الدولية، مستنداً إلي قصة ممدوح حبيب الأسترالي الجنسية، المصري الأصل، الذي اعتقل في باكستان عام ٢٠٠١ ثم تعرض للانتهاك الجسدي من جانب ضباط أمريكيين إلي أن نقل إلي القاهرة حيث عاش كابوساً مرعباً وخرج من المعتقل محملا بعدد من العاهات الجسدية والنفسية.
وتناول كذلك موقف القانون المصري من التعذيب، موضحاً أنه لا يجرمه إلا إذا وقع نتيجة اعتقال غير قانوني من جانب الشرطة، لكنه لا يتطرق إلي التعذيب في الحالات الأخري للحصول علي معلومات من شخص ما، كما تطرق كذلك إلي الأدوات التي يتم استخدامها في التعذيب.
وأشار إلي أن منظمة العفو الدولية ومؤسسة «أوميجا» البريطانية أكدتا أن هناك أكثر من ١٥٠ مصنعاً لأدوات الصعق بالكهرباء في أمريكا تنافسها دول أخري في ذلك موضحا أن مصر ودول أخري تعتبر سوقاً مثالية لمثل هذه الوسائل، لافتاً إلي أن مخصصات الأمن الداخلي في ميزانية الدولة في عام ٢٠٠٦ بلغت ١.٥ مليار دولار وهي أكثر من ميزانية الصحة للدولة بالكامل وعدد رجال الشرطة يقدر ١.٤ مليون موظف، ووفقاً للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان فإن تعداد سكان مصر تضاعف مرتين في عهد مبارك بينما تضاعف عدد السجون أربع مرات وبلغ عدد المعتقلين الذين لم توجه إليهم التهم في سنة واحدة حوالي أكثر من عشرين ألف معتقل.
بدأ برادلي الفصل السادس من الكتاب الذي تناول الفساد في مصر بأسلوب ساخر للغاية قائلاً: إن الحكومة المصرية، تحرص كل الحرص علي حماية السمعة الجيدة لمصر والمصريين مشيرا إلي أنها غضبت بشدة حينما طرحت مؤسسة غير معروفة سبع عجائب في الدنيا للتصويت ليس منها أهرام الجيزة، مستدركاً أن هذا الأثر الخالد بلا شك يستحق تصدر عجائب الدنيا لكن يمكن أن يكون هذا مقبولاً، لو أن وزارة الثقافة التي قادت الحملة أو النظام المصري بشكل عام يحافظ علي السمعة التي طالما تمتعت بها مصر كأرض للبسمة والضيافة والآثار العظيمة، ولم يحولها إلي وطن للفوضي والاستبداد والقمع والفقر.
وأشار إلي أن النظام المصري يستخدم دائما تهمة «تشويه سمعة البلاد ضد أي صحفي أو حقوقي أو إصلاحي يوجه انتقادا للأسرة الحاكمة أو لمؤسسات النظام، مشيراً إلي أن أي زائر للأهرامات العظيمة الآن يكتشف بسهولة أنها تقع تحت سيطرة عدد من المنتفعين وكثيراً ما شكا علماء مصريات وآثار من أن الأهرام عانت خلال الفترة القصيرة الماضية مع انتعاش صناعة السياحة أكثر مما عانته خلال أربعة ألاف عام.
وأشار الكاتب إلي أن الفساد أصبح متأصلاً في كل القطاعات الإدارية للبلاد، فلا يمكن إنجاز أي مصلحة دون الواسطة، موضحاً أنه جرب ذلك بنفسه حيث استعان بخدمات ابن مسؤول كبير لتجديد تأشيرة الإقامة الخاصة به، وحينما تعرض للسرقة في الأقصر وتعاملت شرطة السياحة بنوع من اللامبالاة معه لجأ إلي المسؤول نفسه فتغير موقفهم كليا وعاملوه بمنتهي الود واللطف وأعادوا محفظته المسروقة.
وأوضح أن الفساد في مصر لا يقتصر فقط علي النهب والسرقة بل يمتد إلي الصحة والغذاء، مشيراً إلي أن الصحفيين في الجرائد المستقلة والمعارضة بذلوا جهوداً كبيرة في السنوات الأخيرة للكشف عن كثير من مواقع الفساد في حين يتأصل النقيض في الصحف القومية التي يعين غالبية محرريها بالواسطة، مما أدي إلي تراجع هذه الصحف وانتشار الفساد فيها.
وقال برادلي إن مصر تحتل المركز السادس والثلاثين وفق تصنيف إحدي المنظمات البحثية المستقلة بواشنطن في ترتيب البلدان الأكثر فشلاً، الذي ضم ١٧٧ دولة، مشيراً إلي أن التصنيف يعتمد علي ١٢ مؤشراً لقياس فشل الدولة منها إجرام الدولة بمعني تفشي الفساد بصورة كبيرة بين النخب الحاكمة ومقاومة تلك النخب الشفافية والمحاسبة والتمثيل السياسي وانعدام الثقة في مؤسسات الدولة، كما سجلت ٨.٥ في مؤشر انتهاك حقوق الإنسان، ونقل عن مجدي الجلاد رئيس تحرير «المصري اليوم» قوله في إحدي الندوات إن هناك حالة فساد تحدث كل دقيقتين في مصر و١٠% فقط من هذه الحالات والتجاوزات يتم ضبطها، ونقل كذلك عن صلاح دياب رئيس مجلس إدارة الصحيفة، في الندوة نفسها أن هناك نوعاً من الفساد يسبب ضرراً صغيراً للمجتمع مثل دفع خمسة جنيهات للموظف لتفادي شراء تذكرة، وهناك أنواع أكثر ضررا تضيع علي البلاد فرصا كثيرة، مشيراً إلي أن الفساد في مصر أصبح آفة لا تعالج من جذورها فهي تبدأ من الموظف الصغير الذي يتقاضي خمسة جنيهات دون وجه حق إلي أكبر مسؤول.
وتناول برادلي تقرير البنك الدولي لعام ،٢٠٠٨ الذي يضع مصر في مقدمة الدول التي طبقت إصلاحات اقتصادية بشيء من التشكيك والسخرية، مشيراً إلي أن هناك مؤشرات وتفسيرات كثيرة تدل علي أن مهندس حرب العراق ورئيس البنك الدولي السابق وولفويتز ومعدي التقرير جاملوا مصر تقديرا لدورها في الحرب علي الإرهاب مشيراً إلي أن كثيراً من الخبراء يشككون في إمكانية حدوث تغيير اقتصادي قبل تطبيق إصلاح سياسي، وأنهي هذا الفصل قائلا إن الحديث عن الفساد في مصر لا يجب أن يستند إلي تقرير البنك الدولي ولكن إلي الروائي المصري صنع الله إبراهيم الذي قال: لا يوجد عندنا مسرح أو سينما أو بحث علمي أو تعليم ولكن لدينا مهرجانات ومؤتمرات وصندوقاً للأكاذيب، ليست لدينا صناعة أو زراعة أو صحة أو عدل ولكن لدينا الفساد ومن يعترض علي ذلك يتعرض للإذلال والقمع والتعذيب.
وأخيراً ينهي برادلي كتابه بفصل درامي تحت عنوان «مصر بعد مبارك» قائلاً: إن غالبية المصريين وفقاً للفترة التي قضاها متنقلاً فيما بينهم لا يميلون إلي الرئيس حسني مبارك ورغم ذلك فإن لحظة غيابه تؤرقهم وتخيفهم علي مستقبل البلاد من بعده.
وأشار إلي أن ثمة قناعة تسيطر علي كثيرين بأن جمال مبارك هو الرئيس القادم لا محالة، رغم الإنكار الرسمي واعتقاد البعض أنه غير مؤهل إلي ذلك.
وتطرق الكاتب إلي ما وصفها بمحاولات تحسين صورة جمال مبارك، بداية بإعلان البرنامج النووي السلمي الذي لم يخرج حتي الآن من إطار الوعود وتشكيل اللجان - حسب الكتاب - بالإضافة إلي تصريحاته قبل عامين للمراسلين الأجانب التي انتقد فيها السياسة الأمريكية في المنطقة.
وأشار برادلي إلي أنه بالرغم من ذلك لا يمكن وصف جمال مبارك بأنه خفيف الوزن، فهناك أدلة قاطعة تثبت أنه يعي أهمية التغيير، منها إدراكه للتحديات التي يواجهها من جانب المعارضة خاصة الإخوان المسلمين، فضلاً عن قدرته علي اختيار محترفين متخصصين لاتخاذ المبادرات وإجراء التغيير، ومن هؤلاء رجل الأعمال حسام بدراوي الصديق المقرب إليه، رئيس لجنة التعليم والبحث العلمي في أمانة سياسات بالحزب الوطني، الذي وصفه الكاتب بأنه فريد بين أعضاء الحزب الوطني ليس فقط لتمتعه بشعبية واسعة ولكن لشخصيته المستقلة، وقال إن بدراوي ملم بكثير من المشاكل التي تضع مصر في هذا الموقع المتأخر ولديه الحلول لكن هناك أيضا من يعيقه، كما أن هناك مستفيدين من هذا النظام، ناقلاً عن بدراوي قوله إنه خسر الانتخابات البرلمانية الأخيرة لأن حزبه وقف ضده كما يقف البعض في وجه الإصلاح
.

ليست هناك تعليقات: