الخميس، 24 يوليو 2008

٣٩ مفكرًا يقدمون وثيقة حول «مستقبل مصر»: الدعوة إلى دولة مدنية ديمقراطية.. وآليات لتداول السلطة وعدم ذوبان الدولة فى الحزب الحاكم


كتب محمد عزام ٢٤/٧/٢٠٠٨

حصلت «المصري اليوم» علي وثيقة تضع رؤية مستقبلية للأوضاع في مصر، شارك في إعدادها ٣٩ مثقفاً ومفكراً من اتجاهات مختلفة ومن المنتظر أن يعلن عنها خلال أيام، علي أن تطرح لنقاش مجتمعي عام.
جاءت الوثيقة بعنوان «مستقبل مصر نحو بناء دولة عصرية مدنية وديمقراطية» ينعم فيها كل مواطن مصري بالأمان (الاقتصادي والاجتماعي والثقافي) والكرامة (الحقوق والمشاركة) والعدالة. (القانون وعدم التمييز).
وتعود قصة الوثيقة إلي ثمانية أشهر مضت حين جلس الدكتور عزيز صدقي رئيس وزراء مصر الأسبق وقيادات ما كان يسمي وقتها الجبهة الوطنية للتغيير في مكتبه لبحث «مستقبل مصر».
حاول المجتمعون وقتها الوصول لخطة عمل لمناقشة «المستقبل»، اتفقوا علي عقد اجتماع ثان، التقوا بعدها بأسبوع طلب منهم الدكتور سمير عليش المتحدث باسم الجبهة الخروج بالوثيقة من حيز « المعارضة والموالاة» الضيق إلي سعة الإجماع الوطني اتفقوا علي إعداد وثيقة شاملة جامعة ترضي كل المصريين علي اختلاف انتماءاتهم ودياناتهم وطوائفهم، بدأوا بعدها لقاءات في أماكن مختلفة داخل منازلهم، مكاتبهم أو حتي قاعات الفنادق.
صدقي قال في ورقة الدعوة للوثيقة التي أرسلها لعشرات السياسيين والمفكرين : كان من الممكن بل كان من المرغوب فيه أن يقوم النظام الحاكم الحالي بقيادة عملية التغيير ليس فقط في وجوه كبار المسؤولين وإنما أيضا في السياسات والنظم المعمول بها.
وأشار صدقي إلي أن منظومة الحكم لم توفق خلال السنوات الماضية في اختيار الدماء الجديدة اللازمة لإحداث التغيير المنشود والضروري لتدعيم جسور الثقة بينها وبين جماهير الشعب، بل علي العكس تماماً فقد اتسعت هوه الثقة بينهما حيث أدت السياسات الاقتصادية إلي زيادة المعاناة المعيشيه للسواد الأعظم من الشعب وإلي استشراء الفساد حتي طالت رموز من القيادات في أعلي سلم السلطة.
وحدد صدقي خطة عمل المجموعة لإعداد وثيقة مستقبل مصر قائلا نسعي في جو من الإخلاص والتسامح لنعطي مصر (مواطنين، وتيارات سياسية ومدنيه) هذا الأمل الكبير في إحداث التغير الذي تستحقه بقدر ما تحتاج إليه.
عشرات المفكرين وقيادات النخبة تحمسوا للفكرة وبدأوا المشاركة... في منتصف الطريق تعرضت الوثيقة لنكسة مؤقتة بوفاة صاحب فكرتها عزيز صدقي لكن ما لبثت أن تجاوزتها وواصل المشاركون اجتماعاتهم، الكل يضيف أو يحذف، يوافق علي الصياغة أو يرفضها، ليبراليون وإخوان واشتراكيون ومستقلون وحزب وطني يتناقشون ويتعاركون، البعض ينسحب وآخرون ينضمون.
مرة أخري تعرضت الوثيقة لوقفة أخري بوفاة أحد أبرز ناشطيها محمود محفوظ وزير الصحة الأسبق وعضو مجلس الشوري، استمرت الاجتماعات بعدها أسبوعيا وأرسلت الوثيقة لمجموعة من كبار الكتاب محمود عوض وسلامة أحمد سلامة وصلاح الدين حافظ وسعد هجرس الذي شارك في إدارة إحدي جلسات كتابة الوثيقة وجميل مطر الذي أعد السياسة الخارجية ونبيل حلمي عضو لجنة السياسات بالحزب الحاكم والذي لم يرد عليها.
وقال سمير عليش إن الوثيقة تحاول الاستعداد لمستقبل الحكم في في ظل حالة الضبابية التي تعاني منها مختلف شرائح المصريين.
وأكد عليش اعتزام المجموعة الموقعة علي الوثيقة إرسالها إلي الرئيس مبارك والدكتور فتحي سرور رئيس مجلس الشعب وصفوت الشريف رئيس مجلس الشوري وكل القيادات التنفيذية والتشريعية.
المبادئ الأساسية للدولة*
دولة مدنية ديمقراطية شعارها: «كل الحقوق لكل الناس»
قالت الوثيقة إنه قد حان الوقت للبدء في إعادة بناء الدول،ة التي تعاني الآن شروخاً وانكسارات تدعو إلي إعادة البناء، وأكدت أن المبادئ الأساسية للدولة هي:
١- دولة «مدنية وديمقراطية»، تؤسس علي قاعدة «كل الحقوق لكل الناس».
٢- إنها دولة لا تقبل بمعادلة سياسية مغلقة، ولكنها تتبني معادلة سياسية مفتوحة.. لا إقصاء فيها لأحد.. طالما أحترم قواعد تداول السلطة سلمياً وألتزم بها.. ولا استحواذ فيها للسلطة لأحد بغير سند من الإرادة الشعبية.
٣- إنها دولة لا تقبل بالتهميش الاجتماعي أو الديني.. فهي دولة كل الناس.
٤- إنها دولة لا تذوب - علي الإطلاق - في أي حزب سياسي.
٥- إنها دولة ليست مقطوعة الصلة بالدين.. فالقيم الدينية هي عامل أساسي في التنمية المجتمعية، وهي التي ترسم الإطار الأخلاقي للدولة، وبالتالي فهي دولة مدنية تحترم كل الديانات والعقائد وتوفر لمعتنقيها حرية التعبير وحرية العبادة.
٦- إن المرجعية في هذه الدولة هي دستور جديد.. وهو الحكم بين السلطات «التنفيذية، التشريعية، القضائية».
٧- إنها دولة لا تصطنع تصادماً مع المجتمع المدني، فهي الحارس علي فكرة الحرية، والمجتمع المدني هو الحارس علي شرعية سيادتها.
٨- أنها دولة تقر بمبدأ اللامركزية وتمنح اختصاصات الرقابة والمساءلة للمجالس المحلية المنتخبة.
ثانيا - حقوق الشعب كمصدر للشرعية والسياد.. حيث إن الشعب هو مصدر الشرعية والسيادة، فإن هناك حقوقاً ترتب له ولا يملك أحد سلطة مصادرتها أو تعطيلها، ونحن نري هذه الحقوق كما يلي:
١- حق الشعب (بمواطنيه المقيمين في الداخل والخارج) في التعبير عن إرادته في استفتاءات وانتخابات حرة ونزيهة تكتمل فيها سلامة الإجراءات في ظل تمثيل عادل لكل فئات الشعب، ودونهما.. فإن شرعية الحكم تبقي في أزمة.
٢- لأن الإشراف علي الاستفتاءات والانتخابات (القومية والمحلية) هو قضية متعلقة بثقة الشعب، فمن يمنحه الشعب ثقته في الإشراف عليها، هو من ينبغي أن يشرف عليها، ولأن الشعب المصري قد منح ثقته للقضاء.. فمن حق الشعب أن تجري الانتخابات تحت إشراف القضاء وفقاً لقاعدة «قاضٍ لكل صندوق».
٣- حق الشعب في تأسيس أحزاب سياسية تعبر عن أفكاره وآرائه وقناعاته، ولأن هذا الحق بطبيعته هو حق مشروط.. فإننا نري أن الموافقة أو عدم الموافقة علي قيام حزب، هو أمر مرهون بالمحكمة الدستورية العليا وحدها، وأن ينص علي ذلك في الدستور الجديد.
٤- حق الشعب في الحصول علي معلومات صحيحة وليس علي معلومات موجهة أو مغلوطة، وبالتالي.. فإن الانتقاص من حرية الصحافة ومن حرية الإعلام وحرية تداول المعلومات، هو اعتداء علي حقوق الناس قبل أن يكون اعتداء علي حقوق الكلمة المقروءة والمسموعة، ولذلك..
فإننا نطالب بإلغاء وزارة الإعلام وإدارة المؤسسات الإعلامية المملوكة للدولة من خلال مجلس أعلي للمؤسسات الإعلامية، له استقلالية كاملة، ويتيح حصصاً إعلامية متكافئة لكل القوي والآراء.
ثالثا - أولوية وأبعاد الإصلاح السياسي (التصدي للاستبداد وللاحتكار السياسي)
الإصلاح السياسي هو شاغل الجميع وهو شاغلنا أيضاً.. لأنه مقدمة ضرورية نحو بناء الدولة العصرية «المدنية الديمقراطية»، ونحن نتمثل أولويته وأبعاده علي النحو التالي:
١- في واقعنا الحالي، فإن الإصلاح السياسي لابد أن يسبق الإصلاح الاقتصادي.. أو يتزامن معه علي الأقل، وليس هناك ما يبرر علي الإطلاق تأجيله.
٢ ـ إن ملف الإصلاح السياسي - وعلاوة علي كل ما سبق وفي مقدمته تداول السلطة سلمياً عبر انتخابات حرة شفافة - يتسع لقضايا رئيسية أخري، مثل:
(١) الفصل بين السلطات دستورياً وتحقيق التكافؤ بينها، وفي هذه الجزئية.. فنحن نري:
إن تحقيق التكافؤ بين السلطات والفصل بينها يستدعي تقييد صلاحيات رأس الدولة وتنظيم إجراءات مساءلته، كما يستدعي الموازنة الدقيقة بين صلاحيات السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، وعلي سبيل المثال..
فإذا منح الدستور الجديد للرئيس (باعتباره رأس السلطة التنفيذية) صلاحية حل البرلمان وفقاً لإجراءات منظمة، فإن الدستور الجديد ينبغي أن يمنح - أيضاً - البرلمان صلاحية موازية بمساءلة وإقالة الرئيس وفقاً لإجراءات منظمة.
تقييد المدد الرئاسية بمدتين وعدم تركها مفتوحة وأن ينص الدستور الجديد علي ذلك، فلقد عانت مصر ومنذ تأسيس دولة محمد علي وحتي الآن.. من طغيان السلطة التنفيذية وضعف السلطة التشريعية، وبالتالي.. فإن إصلاح الخلل بينهما يقضي بتقييد المدد الرئاسية.
(٢) لأن حق التقاضي والتمكين له، هو من أهم حقوق الناس، فإن الفصل التام بين السلطة القضائية والسلطة التنفيذية يتصدر أولويات الإصلاح السياسي، وعندئذ.. فنحن نري:
أ- أن تختص السلطة القضائية بإدارة شؤونها وفقاً للنظام العام وبما لا يتعارض مع الدستور الجديد.
ب- أن يعاد النظر في اختصاصات وزير العدل، بحيث يتحول إلي وزير دولة للمحاكم وأن يتم اختيار النائب العام عن طريق الانتخاب المباشر من الجمعيات العمومية للقضاة ولا يترأس رئيس الجمهورية أي مجلس قضائي أعلي، وأن تقوم السلطة القضائية - وفقا لإجراءات منظمة - بترشيح اسم رئيس المحكمة الدستورية العليا.
إتاحة جميع المناصب لكل المصريين دون تمييز
دعت الوثيقة إلي ما سمته «المواطنة الكاملة»، والتي حددت معالمها في اكتساب الحقوق بأبعادها المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية واقتسام الموارد العامة للبلاد في إطار عملية إنتاجية، علي أن تتم هذه الحركة دون أي تمييز سواء بسبب اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب أو العرق أو المكانة أو الثروة، وذلك في إطار الوطن الواحد الذي من الطبيعي أن يتضمن حركة المختلفين بحيث يصب كل جهد مبذول من أجل الخير العام.
وحذرت الوثيقة من أنه إذا تمت إعاقة حركة المواطنين عن ممارسة المواطنة لأي سبب، فإنهم بالضرورة سوف ينعزلون عن الانتماء العام.
ودعت إلي مواجهة كل ما من شأنه إعاقة تحقق المواطنة التي من مظاهرها اللامساواة بين الفقير والغني، المرأة والرجل، المسلم والمسيحي بواسطة رفض كل دعاوي التقسيم الطائفي للسلطة، فهذه الدعاوي في حد ذاتها تمثل انقلابا علي مفهوم المواطنة.. فضلا عن أنها تقود إلي بناء «دولة كرتونية» لا أمان فيها لأحد وتكريس المعني المدني لجميع المناصب في الدولة،
فمنصب رئيس الدولة ـ علي سبيل المثال ـ يعبر عن التزامات مدنية محددة مثل احترام الدستور والقانون اللذين ارتضاهما الناس بملء إرادتهم الحرة لإقامة العدل واحترام حقوق ومصالح الناس... الخ، والاعتراف بحقوق الكفاءة كجزء لا يتجزأ من حقوق المواطنة.
إلغاء وزارة الثقافة
دعت الوثيقة إلي تفعيل مفردات القوة الناعمة، من بينها الثقافة بالإضافة إلي إلغاء وزارة الثقافة لصالح المجلس الأعلي للثقافة، علي أن يتمتع بالاستقلالية الكاملة.
وقالت الوثيقة إن تفعيل الثقافة المصرية مشروط بـ حماية واحترام اللغة العربية والانتماء إلي روح العصر والتفاعل معها عبر نافذة مفتوحة، وتفجير طاقة الإبداع في المجتمع المصري لحل إشكاليات ثقافية «حقيقية أو مصطنعة» مازالت تعترض طريقه وتثير ارتباكاً في أوساطه مثل الإشكالية الدينية/العلمانية،
ولأن الإبداع هو إجابة جديدة عن سؤال جديد أو عن سؤال قديم، ولأن الفكر هو القادر علي تقديم هذه الإجابة، فإننا نؤمن بأن مصر في حاجة إلي مفكرين قادرين علي حل تلك الإشكاليات، وأن علي المؤسسات الثقافية في الدولة الجديدة أن تحتضنهم وتوفر لهم المعطيات المواتية لإبداعاتهم.
مدعي عام مستقل للتصدي للفساد المؤسسي
أشارت الوثيقة إلي أن الفساد المؤسسي له أسبابه وجذوره قائلة «نري في الوقت نفسه ضرورة التصدي له، إلا أننا نري ـ أيضاً ـ أنه لا يمكن مكافحته وحصاره طالما أن هناك قرارات سيادية تملك الحق في إغلاق ملفاته أو حبسها في أدراج الأجهزة الرقابية،
ولذلك فإننا نقترح وفي إطار دعوتنا إلي بناء دولة عصرية «مدنية وديمقراطية» وصياغة دستور جديد.. أن يكون لمجلس الشعب ومنظمات المجتمع المدني الحق في توكيل شخص تحت مسمي «المدعي العام المستقل» بهدف التحقيق في أي ملفات فساد قد يكون قد تم إغلاقها بقرارات سيادية وأن يلزم القانون الأجهزة الرقابية بتقديم كل المعلومات إليه وأن يمنحه القانون الصلاحية في إقامة الدعوي القضائية باسم المجتمع.
النظام الاقتصادي*
الدعوة إلي مرونة في السياسات الاقتصادية... والترويج لمصطلح «اقتصاد السوق الاجتماعية» بمشاركة بين الدولة والقطاع الخاص
حددت الوثيقة معالم النظام الاقتصادي بأنه مرن، وقالت إنه إذا قبلنا بأن هناك اختلافا وتمايزاً بين الأحزاب والقوي السياسية في زوايا الرؤية الاقتصادية، وأنه في حال تداول السلطة سلمياً.. فإن كل حزب سوف يحاول تطبيق رؤيته عبر سياسات اقتصادية، فإن كل ما نبحث عنه - عندئذ - ونطالب به هو إطار عام يتضمن المبادئ التالية التي توافقنا عليها:
١- أن روح العصر ومستجداته تنتصر لفكره اقتصاديات السوق الاجتماعية التي تلعب فيها الدولة والقطاع العام والقطاع الخاص والقطاع المدني والقطاع التعاوني أدواراً رئيسية في دولاب التنمية المستدامة، وفي توفير الأمان الاقتصادي والاجتماعي للمواطنين.
٢- إن انحيازنا لاقتصاديات السوق الاجتماعية تجعلنا نضع خطاً فاصلاً بين.. علاقات السوق وانحرافات السوق، وبالتالي فإننا نرفض الاحتكار وغياب القواعد العادلة للمنافسة وغياب الشفافية وغياب رقابة الدولة بدعوي حرية السوق.. إلخ.
٣- إننا ننحاز الي السوق الموسعة وليس إلي السوق الضيقة، لأننا نؤمن بأن السوق ينبغي أن تكون بؤرة جذب اجتماعي تتسع لكل الفئات والشرائح الاجتماعية، وليست بؤرة طرد اجتماعي تستبقي فئات وشرائح اجتماعية خارج أسوارها.
٤- ولأننا ننحاز إلي السوق الموسعة.. فإننا نؤمن بتوسيع القاعدة الإنتاجية بضمانات تتوافر لصغار المنتجين وصغار المدخرين وباستراتيجيات تسعي الي تنمية قدرات أكثر الفئات ضعفاً.
٥- إننا نرفض السياسات التي تقبل بتركز الثروة لدي أقلية بأمل تحقيق نمو اقتصادي تتساقط - وفيما بعد - ثماره علي المجتمع بأسره، فهذه السياسات تفضي الي زيادة التهميش للفقراء ولشرائح عديدة من الطبقة الوسطي، وتؤدي إلي زيادة الأغنياء ثراءً.. بما يهدد الأمن الاجتماعي والأمن الإنساني، وبالتبعية.. الأمن القومي، وبالمثل.. فإنها لا توفر شروط النمو المتوازن بين الشرائح الاجتماعية، وأيضاً.. بين المناطق الجغرافية علي مستوي المدينة والقرية والأطراف، وفي غياب النمو المتوازن فإن قاطرة التنمية المستدامة لا تذهب بعيداً.
٦- إننا - ومن حيث المبدأ - نرحب بكل السياسات التي تفتح طريقاً لنمو وازدهار الاقتصاد المصري بمبادرات وجهود القطاع الخاص، ولكننا نضيف:
(١) أن من حق كل رجل أعمال أن يبحث عن تنمية ثروته، ولكن من حق المجتمع أن يسائله عن مصدر الثروة، وأن يطمئن إلي أنها تكونت في إطار ممارسات قانونية لا شبهه فيها، فقوانين السوق لا تضفي حماية علي ممارسات غير قانونية ولا تقبل بها.
(٢) أن معيار التقييم لأداء القطاع الخاص هو مدي إضافته للثروة المجتمعية، ولذلك.. فإننا نجد أنفسنا أكثر دعماً للمنظمين، وهي الفئة التي ينتمي إليها رجال أعمال يقبلون المخاطرة في إنتاج سلع جديدة، وفي تبني أساليب إنتاجية جديدة... إلخ، فهؤلاء يضيفون إلي ثرواتهم وإلي الثروة المجتمعية.
١٠- إننا لا نؤمن باستقالة الدولة من أداء دورها في المجال الاقتصادي بدعوي حرية السوق، ولم نر دولة في العالم المتقدم أو في عالم النمور الاقتصادية النامية قدمت استقالتها من هذا الدور.. لأن ما يجري علي أرض الواقع هو إدارة السوق التي تستبقي للدولة دوراً يمتد إلي:
(١) إحكام الرقابة علي علاقات السوق للحيلولة دون الانزلاق إلي انحرافاتها.
(٢) سن القوانين التي توفر شروط المنافسة العادلة وإعمالها بما يحول دون إحكام قبضة المنافسة المتوحشة والاحتكار.
(٣) إدارة معادلة التوازن بين المنتجين والمستهلكين في ظل توافق عام.
(٤) الاضطلاع بمهمة «المنظم» في مضمار صناعات التكنولوجيا الطليعية، وبالتالي.. فنحن نرفض الدعوة إلي انسحاب الدولة من النشاط الإنتاجي، فهناك دور إنتاجي ينتظرها بضخ استثماراتها -علي سبيل المثال - في مجال الصناعات المتطورة، وفي مجال التقدم العلمي.. باعتبار أن المعرفة قد صارت مورداً إنتاجياً في الاقتصاديات المعاصرة.
(٥) إدارة المرافق العامة والحكومية ومؤسسات القطاع العام - التي تقضي اعتبارات الأمن القومي والأمن الاجتماعي أن تبقي في يد الدولة - وفق ضوابط قانونية وتحت رقابة من ممثلي الشعب، ونلحق بذلك ملاحظه مؤداها.. أن علي الدولة أن تدير هذه المرافق بميزانيات تشغيل تعطي الأولوية لتسيير دولاب العمل وتأمين احتياجاته، وليس - وكما يحدث الآن - بميزانيات توزيع تعطي الأولوية لرواتب القيادات العليا ومكافآتها.
(٦) تحديد حد أدني للأجور يتوافق مع تكلفة المعيشة، ومراجعة النسب المقارنه بين رواتب ومكافآت القيادات العليا ورواتب ومكافآت مرءوسيهم، فلقد ازدادت النسبة في الحالة المصرية.. إلي حدود تثير القلق ولا تجد لها سنداً موضوعياً.
(٧) تنظيم سوق العمل في ظل ضمانات تقر بحقوق العمال (ومن بينها التأمين ضد البطالة وتوفير التدريب التحويلي) من ناحية، وتشرع لهم وسائل التمكين للدفاع عن هذه الحقوق سلميا من ناحية أخري.
(٨) تأمين ضوابط التنمية المستدامة التي تقضي بألا يقوم جيل باستنزاف الثروات الطبيعية (بترول، غاز طبيعي، أرصدة غير متجددة للمياه....) وحرمان أجيال قادمة من حقوقها في هذه الثروات دون تعويضها بثروات بديلة، وعندئذ.. فإن علي الدولة أن تراعي التكامل بين ثلاث حزم من الضوابط: (حزمة الكفاءة، حزمة العدل الاجتماعي، حزمة صون البيئة).
سياسات عادلة في توزيع الدخل
ذكرت الوثيقة أن الدعوة إلي الدولة العصرية «مدنية وديمقراطية» تتطلب طرح خيارات البعد الاجتماعي في ظل أقلية تحتكر كل الامتيازات لها ولأبنائها.. بينما تفترش قاعدة الهرم فئات عريضة من المحرومين، والتي تزداد اتساعاً بالوافدين من الفقراء والتهميش والحرمان، واعتبرت أن الفقر هو عائق علي طريق الحرية.. كما أنه مسؤولية سياسات اجتماعية خاطئة، وحددت خيارات البعد الاجتماعي للوثيقة بـ:
١- إرساء قواعد البنية المجتمعية التي تسمح للفئات الفقيرة والمهمشة بالحراك الاجتماعي صعودا إلي طبقة وسطي موسعة، وهذا يعني تبني سياسات عادلة لتوزيع الدخل القومي.. تحافظ للطبقة الوسطي علي مدخراتها.. وترفع نصيب الفئات الاجتماعية الفقيرة والمهمشة في حصة التوزيع، ولا تنحاز لرأس المال علي حساب عنصر العمل.. وتحول دون تركز الثروة في قبضة أقلية في قمة الهرم الاجتماعي.
٢- وفاء الدولة بالتزاماتها الاجتماعية بما يكفل جودة الحياة - علي الأقل بحدودها الدنيا - لمواطنيها، وبما يكفل أيضاً الأمن الإنساني للشرائح الاجتماعية الفقيرة والمهمشة، وهو الأمن الذي يطالب الدولة - ضمن مطالبات أخري - بمد شبكة البنية الأساسية «مياه الشرب الصالحة، الصرف الصحي،...» إلي كل المناطق.
٣- أن كل المواطنين هم شركاء في التنمية، ولذلك.. فإن التعليم لا يعد فقط هو الحق والواجب.. حق لكل طفل ذكر أو أنثي.. وواجب تلتزم به الدولة، ولكن جودة التعليم - وكما نؤمن - هي الأخري.. حق وواجب، فالتعليم هو عملية لخلق قدرات لدي الأفراد، ومن ثم فهو استثمار بشري وليس إنفاقاً جارياً، وبمدي جودته - بالتالي - يصير الأفراد.. كل الأفراد.. شركاء في التنمية.
جودة التعليم واستقلال الجامعات
المدارس والجامعات الحكومية ينبغي أن تتمتع بجودة التعليم وليس مقبولاً التحجج بضعف الإمكانات المالية، فجودة التعليم - إذا ما خلصت الإرادة وانفرجت زاوية الرؤية - تقبل بالحد الأدني من التمويل ولا تبقي معلقة بالحد الأقصي.
وأن استقلالية الجامعات هي زاوية ارتكاز في تطوير التعليم.. بقدر ما تكون منفرجة وراسخة، ومعيار الاستقلالية كما نتبناه هو تمتعها بالحرية الأكاديمية دون تدخلات حكومية تستلب الاستقلالية وتصادر الحرية.. وتدفع بالأساتذة الموهوبين بعيداً عن مركز الفعل وتحل بديلاً لهم آخرين بمعيار الولاء السياسي.
ربط مخرجات التعليم بمتطلبات سوق العمل واحتياجات التنمية المستدامة هو ضرورة لا تحتمل الجدل، ولكننا نري - في الوقت نفسه - بأنها ضرورة مشروطة برؤية مستقبلية للاقتصاد المصري يزداد بها الطلب علي العمل الأكثر تأهيلاً والذي يدفع بدوره - ومن خلال الربط - إلي تحفيز التعليم علي التطور ضخاً لمخرجات مكثفة للمعرفة والتكنولوجيا والمؤسسة التعليمية يجب أن توفر في جميع وحداتها قيم الديمقراطية مثل «التسامح، العقلانية، الحرية، الشفافية»،
ويجب أيضاً أن تضطلع بدور محوري ونشط من خلال أساتذتها وطلابها في التصدي للقضايا المجتمعية مثل محو الأمية، وتنمية رأس المال الفكري والاجتماعي، وإصحاح البيئة، وتعميق مفاهيم المواطنة وحقوق الإنسان،
وأن التعليم مسؤولية سيادية وعليه تجب إعادة صياغة القوانين والتشريعات والآليات التنظيمية بما يساعد جميع عناصر المنظومة التعليمية «عام وخاص»، «وطني وأجنبي»، «مدني وديني» علي إعداد المواطن المصري بمواصفات تمكنه من الحفاظ علي تماسك اللحمة الوطنية، وهويته وتراثه الحضاري، كما تمكنه أيضاً من المشاركة الفاعلة في التقدم الإنساني.

ليست هناك تعليقات: